للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

يُصِيْبُ الثَّوْبَ. وأخرج عنه مسلمٌ مقرونًا مع الغير، واختلط في آخر عمرهِ. وقالوا: إنَّ من قدماءِ تلامذتِهِ سفيانَ، وقُتَيْةَ، وهُشَيْم، وكونُ هشيم من القدماء مذكورٌ في التخريج (ج ١/ ٢١٠).

ولنا أن نقول: إنَّه صَحَّ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلّم أنَّه أعطى قميصَه ابنَ أبي. وعند النَّسائي: أنه أعطَى قميصَه رجلًا من الشهداء. وحينئذٍ ساغ لنا أَنْ نقولَ: إنَّ نَفْي القيص مَحْمولٌ على عَدَمِ كونِهِ مخيطًا، وإنما عَبَّر الفقهاءُ عن هذا الرداء بالقميص لأنه يُقَمَّص. وقد عَلِمْت من قبل أن القَمِيْصَ عندنا في الحقيقةِ رداءٌ يُقَمَّصُ به فقط، لا يكونُ فيها الكُمَّان ولا الدَّخَارِيص ولا الخياطة، فلم تَبْقَ حقيقتُهُ إلا رداءً يُلْبَس كما يُلْبَسُ القَمِيْصُ.

هكذا يُعلم من الموطأ - لمحمد رحمه الله تعالى، وأصله في الموطأ لمالك أيضًا إلا أن في إسناده سهو، ففيه عبد الرحمن بنُ عمرو بن العاص، مع أنه عبدُ الله بن عمرو بن العاص: «أن الميتَ يُقَمَّصُ، ويُؤزُ، ويُلَّفُّ بالثوبِ الثالثِ» يعني به أن الميتَ وإن لم تكن في كَفَنِهِ هذه الثياب، لأن الكَفَن عبارةٌ عن ثلاثة أَرْدِية، ولكنه يُلْبَسُ الثوبَ الأول كالقميص، والثاني مكانَ الإزار، وكذلك الثالثُ يُلَفُّ به. فهذا الذي عناه عبدُ الله بن عمرو - على أن نَفْي القميص يدل على شيوعِهِ في زمن الراوي كما مر معنا التنبيه في حديث ابن عمر رضي الله عنه في رَفْع اليدين، فإنَّ النَّفْي قد يترشَّح منه الإيجابُ أيضًا، كما قيل: إنَّ في مض لمطمعا. فلو أَوَّل به حنفيٌّ وادَّعَى ثبوت القميص في كفنه صلى الله عليه وسلّم مع حَمْل النَّفِي على ما ذكرنا لساغ له ذلك، ولكن لَسْتُ أَرْضَى بهذا التأويل. والأَصْوبُ عندي أنْ يُلتزم ويُقَرّ بما قاله الخُصوم، لأن الخِلاف معهم ليس في الجواز وعدمه.

ثم إنَّ المالكيةَ اعتذروا عنه بوجهٍ آخَرَ وقالوا: إنَّ القَمِيْصَ وإن ككان في كَفَنِهِ صلى الله عليه وسلّم ولكنَّه لم يكن معدودًا في ثيابه الثلاث، بل كان زائدًا عليها. وإنَّما اضطُّروا إلى هذا التأويل لأن الكَفَنَ عندهم خَمْسَةُ أبواب.

[فائدة]

بقي الكلام في العمامة: ففي كُتُب الحنفية أنها تجوزُ للأَشراف، والأشراف عندهم يُطلق على السِّيد، لا كما في عُرْفنا اليوم. فإنَّ الأشرافَ في عُرْفنا يقابل الأَراذل والسقاط من الناس. والذي يظهَرُ لي أن تَرْكَهَا أَوْلى، فإنها إذا لم تكن في كَفَنِهِ صلى الله عليه وسلّم ففي غيره أَوْلَى. ومع هذا لو عَمَّمُوا أحدًا مِنْ ذوي الفَضْل لا تكون بِدعة، لأن ابنَ عمرَ رضي الله تعالى عنه قد عَمَّم ابنه. وفي «الكنز»: أنه كُفِّن في سبعة أثواب (١). والعَجَبُ من السُّيوطي رحمه الله تعالى حيث رمز


(١) قال القاضي في "العارضة" -ص (٢١٥) ج ٤ - : روى البزار عن علي رضي الله عنه: أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كُفنَ في سبعةِ أثواب -يعني ثلاثة- سُحُولية، وقميصًا، وعِمامة، والسَّراويل، والقَطِيفة التي جُعِلت تحته.
الثانية: روي عن عائشة رضي الله عنها: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كفنَ في ثَوبين بُرد حِبَر.
الثالثة: عن ابن عباس رضي الله عنه، كفن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ثلاثِ أَثواب نجرانية: الحلة ثوبان، وقميصه الذي مات فيه.
الرابعة: قال فيه: وحلة حمراء، وأَصحُّها ما ثبت في ثلاثة أثوابٍ بِيض سَحُولية، ليس فيها قميصٌ ولا عِمامة، =

<<  <  ج: ص:  >  >>