للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

١٢٨٩ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى بَكْرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا سَمِعَتْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - زَوْجَ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَتْ إِنَّمَا مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى يَهُودِيَّةٍ يَبْكِى عَلَيْهَا أَهْلُهَا فَقَالَ «إِنَّهُمْ لَيَبْكُونَ عَلَيْهَا، وَإِنَّهَا لَتُعَذَّبُ فِى قَبْرِهَا». طرفاه ١٢٨٨، ٣٩٧٨ - تحفة ١٧٩٤٨ - ١٠٢/ ٢

١٢٩٠ - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ خَلِيلٍ حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ مُسْهِرٍ حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ - وَهْوَ الشَّيْبَانِىُّ - عَنْ أَبِى بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ لَمَّا أُصِيبَ عُمَرُ - رضى الله عنه - جَعَلَ صُهَيْبٌ يَقُولُ وَاأَخَاهُ. فَقَالَ عُمَرُ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ «إِنَّ الْمَيِّتَ لَيُعَذَّبُ بِبُكَاءِ الْحَىِّ». طرفاه ١٢٨٧، ١٢٩٢ - تحفة ١٠٥٨٥، ٩٠٩٤ أ

واعلم أنَّ في مسألة البابِ خلافًا بين عائشةَ وابنِ عمر رضي الله عنهما. فقالت عائشةُ رضي الله عنها إنالكيت لا يعذب ببكاء الأهل، فإنه من فعلهم فلا تزره نفس الميت وابن عمر رضي الله عنه يثبته. وجات عائشة رضي الله عنها. عَمَّا رواه ابنُ عمرَ رضي الله عنه، بأنه سها فيه، فإنَّها كانت واقعة جزئيةً لا مرأة يهوديةٍ وكانت تُعذَّب، فجعلها ابنُ عمرَ رضي الله عنه ضابطةً كليةً للمسلمين وغيرهم. قال العلماء: إن تخطئتَها ليس بذاك، فإنَّه رواه غيرُهُ أيضًا لا يمكن الوَهْم كم كُلِّهم. وقد ذكر العلماءُ للحديث سبعةَ وجوه سَرَدَها الحافظ رحمه الله واختار منها البخاريُّ رحمه الله: أن العذابَ فيما كان النَّوْحُ من سُنَّتِه، وأَمَّا إذا لم يكن مِنْ سُنَّته فإنَّه لا يُعذَّبُ.

وحاصِلُهُ: أنه قسم على الحالات، فجعل بَعْضَه حرامًا، وبعضَه جائزًا، والذي هو حرامٌ هو أن يَرْضَى به الميتُ فيكون رضاؤه بالبكاءِ سببًا لعذَابِهِ. ولفظ «البَعْض» في الحديث أيضًا يَدُلُّ على أن بَعْضَه جائزٌ كما سيجيء، واستدل عليه بآيةٍ وحديث.

وحاصله: أنَّ الإنسانَ مأمورٌ بإصلاح نَفْسه ورعيته، فيُؤاخَذُ بتركِ إصلاح نَفْسِهِ ورعيتِهِ معًا. وأما إذا نهاهم عن البكاءِ ثُمَّ فعلوه بعد موته فله ضابطةٌ أُخْرَى، وهي كما ذكرت عائشةُ رضي الله عنها. وهذا الذي عُني بالتقسيم على الأحوالِ. وتفصيلُهُ أَنَّ الشَّرْعَ كما يُؤاخِذ المباشِرَ كذلك قد يؤاخذ المُسَبِّب أيضًا، وقوله تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: ١٦٤] لا يُخَالِف أَخْذَ المسبِّب فإنَّ التسبيبَ أيضًا مِنْ فِعْلِهِ كالمباشَرَة، فلم يكن مِنْ وِزْرِ الآخَر بل وِزْر نَفْسِهِ والمرءُ يُؤاخَذُ به لا محالة إلا أنَّ المُؤاخَذَةَ في المباشِر مطلقٌ، وفي مؤاخذة المسبِّب تفصيلٌ، وهو الذي رُوعي في قوله صلى الله عليه وسلّم «لا تُقْتَلُ نَفْسٌ» ... إلخ. ففيه المؤاخذةُ مِنْ المُسبِّب.

فإذا عَلِمت أَنَّ الشَرْع وَرَد بِأَخْذِ المباشِر والمُسَبِّب كِلَيْهِمَا فالطَّرْد على واحدٍ منها وتَرْك الآخَر حَمَقٌ قَطْعَا. ولكن يجري في مِثْله التَّقْسِيْم على الحالات. ولذا قلت فيما مَرَّ: إِنَّ الشَّرْعَ نَصَب القواعِدَ، وقد يَصْدُق على جزىءَ واحدٍ قواعدُ شَتَّى وحينئذٍ يتعسَّر إدخالُهُ في واحدٍ منها وَتَرْك التجاذب، فيحتاجُ إلى النَّظر في أَنَّ هذا الجزئي بأيِّ القواعِد أَقْرَب فيلحق بها، ويقسم بينها. وهذا التقسيمُ الصحيحُ هو وظيفةُ المُجْتَهِد، وهو على نحو ما قال الدَّوَّاني: إنَّ أُلوفًا من

<<  <  ج: ص:  >  >>