للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

يُفرِّقه في أمكنته. وذلك لأن الجمعَ والتفريقَ بحسَبَ الأمكنة مؤثرٌ عندهم في زيادة الواجب ونقصانه.


= قال: وهو تأويلُ قولِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يفرق بين مجتمع"، وتكون هذه الشاة بينهما على قدر حصصهما من الغنم.
قال أبو عُبيد: وتفسير ذلك أن يكونَ لأحدهما ثلاثون شاة - وللآخر عشر، فتجبُ عليهما شاةٌ، ثم يتراجعان، وهو أن يَرجِعَ صاحب العُشر على رب الثلاثين بِرُبع قيمة الشاة، حتى يكونَ إنما يلزمه رُبعها، ويلزِمُ الآخر ثلاثةُ أرباعِهَا، على قَدر أموالهما؛ فإن كانت الشاةِ المآخوذةُ في الصدقة من مال صاحب العُشر رَجَعَ على صاحب الثلاثين بثلاثة أرباعِ قيمتها، وإن كانت من مال صاحب الثلاثين رجع على صاحب العُشر برُبع قيمتها في مذهب الليث وتفسيره. فهذا وما أشبهه تأويل قولِهِ: "وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية" في مذهب قول الليث.
وأما الأَوزاعي، ومالك فذهبا إلى أنَّ معنى هذا: إنما هو إذا بلغ مِلك كل واحدٍ منهما أربعين فزائدًا؛ وذلك كخليطين بينهما مائة شاة، لأحدهما ستون، وللآخر أربعون، ففيها على قولهما شاة واحدة، يكون على صاحب الأربعين خمساها، وعلى رب الستين ثلاثة أخماسها؛ وقال سفيان: وأهلَ العراق سوى ذلك كله في المسألتين جميعًا، قالوا في الأربعين -بين خليطين-: لا شيء على واحدٍ منهما، فخالفوا الليث في هذا الموضع، وقالوا في المائة -بين الخليطين-: فيها شاتان، على صاحب الأربعين واحدةٌ، وعلى صاحب الستين أخرى؛ وتركوا التراجع بينهما، فخالفوا الأوزاعي، ومالكًا ههنا.
قال أبو عُبيد: وأنا مبين مذهبَ كل واحدٍ منهما إن شاء الله:
أما قول الأوزاعي، ومالك، فإنهما نظرا في الأربعين، فما دونها. إلى الملك، ولم يعتدَّا بالمُخالطة، ونظرًا في الزيادة على الأربعين إلى المُخالطة، ولم يعتدا بالملك؛ وفي هذا القول ما فيه. وأما أهل العراق، فقولهم يشبه أولُه آخره في نظرهم إلى المِلك، وتركهم الاعتداد بالمُخالطة، إلا أن في ذلك إسقاطُ سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقول عمر بن الخطاب في التراجع بين الخليطين، وليس لأحدٍ تركُ السنة.
وأما قول الليث، فإنه عندي متَّبعٌ للحديث في مراجعة الخليطين؛ وهو مع هذا يُوَافق قوله بعضه بعضًا، ولا يتناقصُ بتركه النظر إلى المِلك في قليل ذلك وكثيره، واعتماده على المخالطة والاجتماع في الأربعين، فصاعدًا.
ومما يُحسِّنُ قوله: ما ذكرنا عن عمر في صدقة الغنم. حين أَمَرَ أن يعتدَّ عليهم بالبَهمَة، لما يدع لهم من الماخض، والربى، والفحل، وشاة اللحم؛ فرأى أنه يلزمهم التغليظ، كما كانت لهم الرخصة. يقول الليث، أو من احتج له: فكذلك الخليطان، إذا كانت بينهما أربعون، لزمها التغليظ، فكانت عليهما الصدقة، كما تكون لهما الرخصة في ثمانين شاة بينهما. ثم لا يكون عليها فيها إلا واحدة، وكذلك عشرون ومائة بين ثلاثة خُلطاء، لا يكون عليهم فيها إلا شاة، على كل واحد منهم ثلثها، فيكون هذا بذاك. وقد رَوي عن طاوس وعطاء قولٌ سِوَى ذلك كلَّه.
قال: حدثني حَجَّاج، عن ابن جُرَيج، قال: أخبرني عمرو بن دينار، عن طاوس. قال: "إذا كان الخليطان يعلمان أموالَهما، لم يُجمع مالُهما في الصدقة" قال: فذكرته لعطاء فقال: ما أرَاه إلا حقًا.
قال أبو عُبيد: وتأويل ذلك: في أربعين شاة تكون بين اثنين، يقولون: فإن كانا شريكين، وكانت الغنمُ بينهما شائعةً غير مقسومةٍ فعليهما الصدقة، لأن مالَ كل واحدٍ منهما ليس بمعلومٍ من مال شريكه، فإذا كان المالان معلومين، وهما مع هذا خليطان، فلا صدقةَ عليهما، ففرَّقَا الحكم فيما بين الشركاءِ والخلطاء. ولا أعلم أحدًا يقول اليومَ بهذا. =

<<  <  ج: ص:  >  >>