للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وتفصيله: أن أربعينَ شاةً لو كانت بين رجلين مناصفةً تجبُ عليها شاةٌ واحدةٌ عند


= قال أبو عُبيد: وقد قال بعض أهل العراق بسوى ما اقتصصنا. قال الخليطان: هما الشريكان بأعيانهما اللذان لا يُعرف هذا ماله من مال صاحبه، وذلك كعشرين ومائة شاة بين نفسين لأحدهما ثلثاها، وللآخر ثلثها، وهي مُشَاعةٌ بينهما غير مقسومَةٍ، فإنَّ المُصَّدِقَ يأخذ منها شاتين، فيرجع صاحب الثلثين -لأنه مالك لثمانين شاة- على صاحب الثلث، لأن مِلكه إنما يكون أربعين شاة، فيأخذ منه ثلاث شِيَاه، وذلك أنه يقول: قد أخذ من مالي شاةٌ وثلث، وأخذ منك ثُلثا شاة، فالواجب عليكَ مثل الذي يجب عليَّ سواء، إنما هو شاة عليَّ، وشاة عليك، فلهذا يرجِعُ عليه بالثلث [من ص ٣٩٣ إلى ص ٤٠٠ "كتاب الأموال"].
قال الخَطَّابي: وقد اختُلف في تأويله، فقال مالك: هو أن يكون لكلِ رجلٍ أربعون شاة، فإذا أظلهم المُصَّدِقَ جمعوها لئلا يكون فيها إلا شاة واحدة "ولا يفرَّقُ بين مجتمع" أن الخليطين إذا كان لكلِ واحد منهما مائة شاة وشاة، فيكون عليهما فيه ثلاثُ شياه، فإذا أظلهما المُصَّدِق فرَّقا غنمهما، فلم يكن على كل واحد منهما إلا شاة.
وقال الشافعي: الخطاب في هذا خطاب للمُصَّدِّق ولرب المال معًا. وقال: الخشيةُّ خشيتان: خشيةُ الساعي أنْ تَقِلَّ الصدقة، وخشيةُ رب المال أن تكثر الصدقة، فأمر كلَّ واحد منهما أن لا يُحدث في المال شيئًا من الجمع والتفريق، خشية الصدقة.
قوله: "وما كان من خليطين فإنَّهما يتراجعان بينهما بالسوية فمعناه أن يكونا شريكين في إبلٍ يجبُ فيها الغنم، فوجد الإِبلَ في يدي أحدهما، فتؤخذُ منه صدقتها، فإنَّه يرجع على شريكه بحصته على السوية. وفيه دَلالة على أن الساعي إذا ظلمه فأخذَ منه زيادة على فرضه، فإنَّه لا يرجعَ بها على شريكه، وإنما يَغرمُ له قيمةُ ما يخُصُّه من الواجب دون الزيادةِ التي هي ظلمٌ، وذلك معنى قوله: "بالسوية".
وقد يكون تراجعهما أيضًا من وجه آخر، وهو أن يكون بين رجلين أربعونَ شاة لكله واحدٍ منهما عشرون، وقد عَرَف كلَّ واحدٍ منهما عينَ ماله، فيأخذ المُصَّدِّق من نصيب أحدهما شاة، فيرجعُ المأخوذُ من مالِهِ على شريكه بقيمةِ نِصفِ شاة؛ وفيه دليل على أن الخُلطة تصح مع تميُّز أعيان الأموال. وقد رُوي عن عطاء وطاوس أنهما قالا: إذا عرفَ الخليطان كلَّ واحدٍ منهما أموالهما فليسا بخليطين.
وقد اختلف مالك، والشافعي في شرط الخُلطة، فقال مالك: إذا كان الراعي والفحل والمراح واحدًا فهما خليطان، وكذلك قال الأَوزاعي.
وقال مالك: فإنَّ فرَّقَهُما المبيت، هذه في قريةٍ وهذه في قرية، فهما خليطان.
وقال الشافعي: إن فرَّق بينهما في المراح فليسا بخلطين، واشترطَ في الخلطة المُرَاحَ والمسرحَ والسقيَ، واختلاط
الفحولة. قال: إذا افترقا في شيء من هذه الخِصال فليسا بخليطين، إلا أن مالكًا قال: لا يكونان خليطين حتى
يكونَ لكلِ واحدٍ منهما تمام النِّصاب. وعند الشافعي إذا تمَّ بماليهما نصاب، فهما خليطان، وإن كان لأحدهما شاة
واحدة. انتهى: (ص ٢٨ - ج ٢ "معالم السنن").
قال ابن الهُمَام: وقد اشتمل كتابُ الصِّدِّيق، وكتاب عمر على هذه الألفاظ. وهي: ما كان من خليطين فإنَّهما يتراجعان بالسوية، ولا يُجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع مخافة الصدقة، ولا بأس ببيان المراد، إذا كان مبنى بعض الخلاف، وذلك إذا كان النصاب بين شركاء، وصحت الخُلطة بينهم باتحاد المسرحِ، والمَرعى، والمُرَاح، والراعي، والفحل، والمحلب، تجب الزكاة فيه عنده، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يُجمع بين متفرق" ... الحديث. وفي عدم الوجوبِ تفريقُ المجتمع.
وعندنا لا تجب، وإلا لو وجبت على كل واحدٍ فيما دون النصاب لنا هذا الحديث، ففي الوجوب الجمع بين الأملاك المتفرقة، إذ المراد الجمعُ والتفريق في الأملاك، لا الأمكنة، ألا ترى أن النِّصاب المفرَّقُ في أمكنة مع وحدة المِلك تجب فيه؟. =

<<  <  ج: ص:  >  >>