للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الجمهور، بشرط الاتحاد في الأشياء التِّسع المذكورة في كتبهم. من الراعي والمَرْعى والمحلب


= ومَن مَلك ثمانين شاةً ليس للساعي أن يجعلَها نصابين، بأن يفرقها في مكانين، فمعنى: "لا يفرق بين مجتمع" أنه لا يفرق الساعي بين الثمانين مثلًا أو المائة والعشرين ليجعلها نصابين، وثلاثة. "ولا يُجمع بين متفرق"، لا يجمع مثلًا بين الأربعين المتفرقة بالملك، بأن تكون مشتركة ليجعلها نصابًا، والحال أن لكل عشرين. قال: "وما كان بين خليطين" ... إلخ، قالوا: أراد به إذا كان بين رجلين -إحدى وستون- مثلًا من الإِبل، لأحدهما ست وثلاثون، وللآخر خمس وعشرون، فأخذ المُصَّدِّق منهما بنتَ لَبون وبنت مخاض، فإنَّ كلَّ واحدٍ يرجعُ على شريكه بحصة ما أخذه الساعي من ملكه زكاةَ شريكه، والله أعلم. انتهى. (ص ٤٩٦ - ج ١ "فتح القدير").
وفي "المعتصر" ص ٨٥ - ح ١: تنازعَ أهلُ العلم في المراد بهذا الحديث تنازعًا شديدًا. حكى المُزَني عن الشافعي أن الشريكين اللذين لم يَقسِما الماشية خليطان، وقد يكونان خليطين بتخالط ماشيتهما، من غير شركة، لكن لا يكونان خليطين حتى يريحا ويسرحا ويحلبا ويسقيا معًا، وتكون فحولهما مختلطة، فإذا كانا هكذا صُدِّقا صدقةَ الواحدِ في كل حال، ولا يكونان خليطين حتى يحولَ الحولُ عليهما من يوم اختلطا، ويكونان مسلمين. وإن تفرقا في شيء مما ذكرنا، قبل أن يحولَ الحولُ، فليسا بخليطين، ويُصدَقان صدقة الاثنين.
ومعنى قوله: "لا يفرق" إلى آخره، لا يفرق بين ثلاثة خلطاء في عشرين ومائة، وإنما عليهم شاةٌ، لأنها إذا فُرقت كان فيها ثلاث. "ولا يُجمع بين مفترق"، رجل له مائة وشاة، ورجل له مائة شاة، فإذا زُكِّيَا مفترقتين ففيهما شاتان، وإذا جُمعتا ففيهما ثلاث شياه، فالخشية خشية الساعي، أن تقلَّ الصدقة، وخشية ربِّ المالِ أن تكثُرَ الصدقة.
قال الشافعي: ولم أعلم مخالفًا فيما إذا كان ثلاثة خلطاء، لو كانت لهم مائة وعشرون شاة، أخذت منهم واحدة، وصُدِّقُوا صدقةَ الواحِدِ، فنقَصُوا المساكينَ شاتين من مالِ الخُلطاء الثلاثة، الذين لو يُفرَّق مالهم، كان فيه ثلاث شياه. لم يجز. إلا أن يقولوا: لو كانت أربعون بين ثلاثة كانت عليهم شاة، لأنهم صُدِّقوا الخُلطاء صدقةَ الواحد، وهكذا القول في الماضية كلها والزرع والحائط.
وأبو حنيفة وأصحابه يقولون في قوله: "لا يُفرَّق بين مجتمع": هو أن يكون للرجل مائة وعشرون شاة، فيكون فيها شاة واحدة، فإن فرَّقها المُصَّدِّق فجعلها أربعين أربعين، كان فيها ثلاث شياه، "ولا يُجمعُ بين مُفترِق"، هو رجلان يكون بينهما أربعون شاة، فإن جمعها كان فيها شاة، وإن فرقها عشرين عشرين، لم يكن فيها شيء.
قلت: فلو كانا متفاوضين لم يجمع بين أغنامهما؟ قال: نعم، لا يجمع بينهما، وهو قول سفيان الثوري. فالذي ذُكِرَ عن أبي حنيفة والثوري دلَّ على أنهما لم يُرَاعِيا الاختلاط، ولكنهما يراعيان الأملاك، فدل هذا على أن ما ذكره الشافعي من أنه لا يعلَمُ مخالفًا إذا كان ثلاثةٌ خُلطاء، إلى آخره، قد كان فيه من المخالفين لذلك القول مَنْ ذكرناه، فاندفع ما احتج به لمذهبه.
ثم إن الله تعالى ذَكَرَ الزكاة مثل ما ذكر الصلاة، والصيام، والحج، فقال: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [النور: ٥٦] {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: ١٨٥] و {عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} [آل عمران: ٩٧]، وكل ما افترض من هذه الأشياء تبيَّن به كلُّ مكلف عمن سواه، من غير اختلاط، فكذا الزكاة. ودل على أن الحُكم للمِلك قولُه تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [التوبة: ١٠٣] ... الآية. فإن أحدًا لا يَطهرُ بمال غيره، بل بمال نفسه، فإن قيل: فما معنى قوله عليه الصلاة والسلام: "وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان"؟.
قلنا: يكون رجلان لهما مائة وعشرون شاة، لأحدهما ثلثاها، وللآخر ثلثها، فيحضر المُصَّدِّق فيطالبهما بصدقتها، ولا يكون عليه انتظار قِسمتها بينهما، فيأخذ منها شاتين، فيُعلم أنه قد أخذ من حصة صاحب الثمانين شاة وثلث شاة -وهو الذي كانت عليه شاة واحدة -وأخذ من حصة صاحب الأربعين ثلثي شاة -وهو الذي كان عليه من الصدقة شاة واحدة- فالباقي من حصة صاحبِ الثمانين ثمان وسبعون شاة وثلثا شاة، والباقي من حصة صاحب الأربعين إذا كان الراعي واحدًا، والمراح واحدًا، والدلو واحدًا، فالرجلان خليطان، ولا تجب الصدقة على الخليطين إلى تسعٍ وثلاثين، وهذا أولى من التأويل الذي ذكرناه قبل. =

<<  <  ج: ص:  >  >>