للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قلتُ: وقد أجاب عنه العيني، فراجعه (١)؛ وأجاب ابن بَطَّال عن المناقضة: إن الذي أجازه أبو حنيفة كتمانه فيما إذا كان محتاجًا إليه، وتأوَّل أنَّ له حقًا في بيت المال، ونصيبًا في الفيء، فأجاز له أن يأخذ الخُمُس لنفسه عِوضًا عن ذلك، لا أنه أسقط الخمس عن المعدن بعد ما أوجبه.

وقال الطحاوي (٢): إن الواحد إن زعم أنه من مُستحقِّي الخُمُس، وإن رَفَعَه إلى بيت المال لا يُعطى منه، وَسِعَ له أن يصرفه إلى نفسه، وكذا في فقه الحنفية: إن المال الذي يُرفع إلى بيت المال إذا تعين له المصرفُ، وقد علم أنه لا يُصرفُ إليه، وَسِع له كِتمانه، وصرفُه إليه بنفسه، فليس هذا مناقضة. بل نقل جزء من باب إلى باب آخر. وقد مر مني أنه يجوزُ للمجتهد، فإِن الجزءَ الواحدَ قد يندرجُ تحت أبوابٍ شتى، فيدرِجُه المجتهد تحتَ باب منها باجتهاده.

ولنا حديث أخرجه أبو يوسف في «كتاب الخَرَاج» إلا أن في سندِه عبد الله بن سعيد المقْبُري، وهو ينسب إلى الضَّعْف. وأيضًا أخرج محمد في «الموطأ» وفيه: فتلك المعادن إلى اليوم لا تؤخذ منها إلا الزكاة. قال محمد: ... قال صلى الله عليه وسلّم «وفي الركاز الخمس، قيل: يا رسول الله، وما الرِّكَاز؟ قال: المال الذي خلق الله يوم خلقها» ... إلخ. ففسر فيه الركاز بالمعدن، «وفي الركاز الخمس» بالنص، فثبت الخمس في المعدن أيضًا. ولنا أيضًا ما عند أبي داود: كتاب اللقطة عن عبد الله بن عمرو بن العاص في حديث: «وما كان في الخَرَاب، يعني ففيها وفي الرِّكَاز الخُمُس». انتهى. حيث أوجب فيه الخمس في ظاهرها وباطنها، والمسألة عندي من باب التفقُّه، والنص المذكور فيها ليس نصًا لأحد من الطرفين (٣).


(١) ومُلخَّصُه أنه لم يستدل أبو حنيفة، ولا أحدٌ من أصحابه بالاستدلال المذكور، فهو إذن من باب بناءِ الفاسد على الفاسد، ولو سلمناه فلم نجد أحدًا من أصحاب اللغة قالوا: أركزت، في الصور المذكورة. ولكنهم قالوا: أَرْكَز الرجُلُ، أي صار ذا رِكاز من قِطع الذهب، ولا يقال إلا بهذا القيد، أعني من قطع الذهب، ولا يقال: أَرْكَز الرجلُ مطلقًا، كما نقله.
وبالجملة لم ينقل عنهم: أَرْكَز المَعْدِن، وإنما قالوا: أركز الرجل، ثم لم يريدوا منه إلا كونه صار له ركاز من قطع الذهب، وقطع الذهب يعم المعدن، فلا إيراد علينا. وراجع التفصيل من "العيني" ص ٤٥٤ - ج ٤.
(٢) ولفظه على ما نقله الحافظ عن ابن بَطَّال: وإنما أجاز له أبو حنيفة أن يكتُمَه إذا كان محتاجًا، بمعنى أن يتأول أن له حقًا في بيت المال، ونصيبًا في الفيء، فأجاز له أن يأخذَ الخُمُس لنفسه عِوضًا عن ذلك، لا أنه أسقط الخمس عن المَعْدِن. اهـ. وتعقب عليه الحافظ. وأراد الانتصار للبخاري. فراجعه من "فتح الباري" ص ٢٣٤ - ج ٣، وأجاب عنه "العيني" ص ٤٥٤ - ج ٤.
(٣) قلت: قال أبو عُبيد القاسم بن سلام في "كتاب الأموال" ص ٣٤٠ بعد ما أطال الكلام في المسألة: إن قول الحنفية هو الأشبه بالصواب، وهذا نصه: وأما الآخرون فيرون المَعْدِن رِكَازًا ويجعلون فيه الخُمُس بمنزلة المغْنَم.
قال أبو عُبيد: وهذا القولُ أشبهُ عندي بتأويل الحديثِ المرفوعِ الذي ذكرناه عن عبد الله بن عمرو: "أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - سئل عن المال الذي يُوجد في الخراب العادي. فقال: فيه وفي الركاز الخمس".
وقال أبو عبيد: فقد تبين لنا الآن أنَّ الرِّكاز سِوى المالِ المدفون، لقوله: "فيه وفي الرِّكَاز"، فجعل الرِكَازَ غير المال، فَعُلم بهذا أنه المَعدِن. وقد رُوي عن علي بن أبي طالب: أنه جَعَلَ المعدن رِكازًا في حديث يُروى =

<<  <  ج: ص:  >  >>