للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فَأَدْخَلَ رَأْسَهُ، فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مُحْمَرُّ الْوَجْهِ، وَهُوَ يَغِطُّ ثُمَّ سُرِّىَ عَنْهُ فَقَالَ «أَيْنَ الَّذِى سَأَلَ عَنِ الْعُمْرَةِ» فَأُتِىَ بِرَجُلٍ فَقَالَ «اغْسِلِ الطِّيبَ الَّذِى بِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَانْزِعْ عَنْكَ الْجُبَّةَ، وَاصْنَعْ فِى عُمْرَتِكَ كَمَا تَصْنَعُ فِى حَجَّتِكَ». قُلْتُ لِعَطَاءٍ أَرَادَ الإِنْقَاءَ حِينَ أَمَرَهُ أَنْ يَغْسِلَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ قَالَ نَعَمْ. أطرافه ١٧٨٩، ١٨٤٧، ٤٣٢٩، ٤٩٨٥ - تحفة ١١٨٣٦ - ١٦٨/ ٢

١٥٣٦ - قوله: (وهو متضمخ بطيب)، وهو محمولٌ على طيب الإِحرام، فإنه لا بأس بالتضمخ بطيبٍ قبل الإِحرام على ما علمت. وقد كان يختلجُ في صدري أن العربَ كانوا يحجون من زمن الجاهلية، ولم يُعلم من حالهم التفريطُ في أمر الحج، نعم، كان فيهم بعض تعمق وإفراط، حيث كانوا يطوفون بالبيت عُراةً، زعمًا منهم أن الطوافَ إنما يليق في ثياب لم تتلوث بمعاصيهم، فإذا كان حالهم هذا، فكيف فَرَّط هذا الرجل، وتطيِّبَ في الإِحرام؟ ثم رأيتُ في كلام القاضي أبي بكر بن العربي (١): أنهم كانوا يُفرِّطون أيضًا، لكنه كان في العمرة دون الحج. وذلك لكونها من أفجر الفجورِ في زمنِ الحج عندهم. والله تعالى أعلم بالصواب.

قوله: (وهو يغط) - لمبى لمبى سانس لى رهى تهى.


(١) قال القاضي أبو بكر بن العربي: هذه المسألة جرت بالجعرانة بقسم غنائم خيبر عام الفتح في شوال سنة ثمانٍ.
وقد قال له النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "ما كنت صانعًا في حجَّتِها فاصنعْه في عمرتها". فقال: كنت أغسل هذا، وأخلع هذا.
وهو دليلٌ على أنَّ خلعَ الثياب ونبذ الطيب، كان أصلًا عندهم في الجاهلية للحاج، وكانوا يستسهلون ذلك في العمرة، فأخبرهم النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّ مجراهما في ذلك واحد. اهـ. ص ٦٠ - ج ٤، هكذا في "عمدة القاري" ص ٥١٠ - ج ٤.
قلت: ويوضُحُه سياقُ حديث يَعلى بن أمية قال: كنا عند النبي - صلى الله عليه وسلم - بالجعرانة. إذ جاءه رجل أعرابيٌ عليه جُبة. وهو مُتضمِّخٌ بالخلوق، فقال: يا رسول الله، إني أحرمتُ بالعمرة، وهذه عليٌّ، فقال: "أما الطيب الذي بك فاغسِله ثلاثَ مرات، وأما الجُبة فانزِعها، ثم اصنع في عمرتك كما تصنعُ في حجك" -متفق عليه-.
قال الشيخ في "اللمعات": قيل: كان الرجل عالمًا بأحكام الحج، ولم يكن عالمًا بأن العمرة كالحج، والمرادُ التشبيه في أحكام الإِحرام، وما يجتنب فيه، كما يدل عليه السياق، لا أنَّ العمرة كالحج في جميع الأحكام والأركان، لأنه ليس في العمرة الوقوف بعرفة إلا الطواف والسعي. انتهى.
ولعلك علمتَ أنَّ التقصيرَ منه إنما كان لكونه معتمرًا؛ وكان هذا التقصير عندهم معروفًا، ولذا جاء مُحرِمًا بالعمرة والجُبة عليه، ففي هذا السياق لفظ الخَلُوق، وأنه كان في المعتمر، وأن القِصة في الجعرانة. أما شمُّ الرَّياحين، فكما ذكره العيني، أن الأصحَّ تحريمُ شمَّها. وأبو حنيفة، ومالك، يقولان: يحرُم، ولا فدية، كذا يُعلم من "عمدة القاري" ص ٥١٥ - ج ٤. أما أكلُ الطيِّب، فذكر الخَطَّابي في "المعالم" أن المُحرِم مَنهيٌ عن استعمال الطيب في بدنه، وفي معناه الطيبُ في طعامه، لأن بغيةَ الناس في تطيب الطعام، كبغيتهم في تطييب اللباس. هـ: ص ١٧٦ - ج ٧ ثم قال الخَطَّابي في لُبس المرأة القفازين: إن بعضهم ذهبوا إلى أنه لا شيء عليها، وعلل حديث ابن عمر، فإنه من قول ابن عمر. وعلق الشافعي القولَ في ذلك. انتهى.

<<  <  ج: ص:  >  >>