للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قوله: (وانزع عنك الجبة) (١)، وقد علمتَ أن الثوبَ المخيطَ من محظوراتِ الإِحرام، ابتداءً وبقاءً.

١٨ - بابُ الطِّيبِ عِنْدَ الإِحْرَامِ وَمَا يَلْبَسُ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُحْرِمَ وَيَتَرَجَّلَ وَيَدَّهِنَ

وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - يَشَمُّ الْمُحْرِمُ الرَّيْحَانَ وَيَنْظُرُ فِى الْمِرْآةِ، وَيَتَدَاوَى بِمَا يَأْكُلُ الزَّيْتَ وَالسَّمْنَ. وَقَالَ عَطَاءٌ يَتَخَتَّمُ وَيَلْبَسُ الْهِمْيَانَ. وَطَافَ ابْنُ عُمَرَ


(١) قال الخَطَّابي في "معالم السنن": وفيه من الفقه: إنْ أحرم وعليه ثيابٌ مخيطَةٌ من قميص وجُبة ونحوهما لم يكن عليه تمزيقُه، وأنَّه إذا نَزَعه من رأسه لم يلزمه. وقد رُوي عن إبراهيم النَّخَعي أنه قال: يَشُقُّه. وعن الشَّعبي قال: يمزق ثيابه، وهذا خلاص السنة، لأن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أمره بخلع الجُبة، وخَلَعَها الرجلُ من رأسه، فلم يوجب عليه غرامةٌ. قلت: وكأنه يُشير إلى ما رواه أبو داود في قِصته بلفظ: "اخلع عنك الجُبة"، فخلعها من قِبَلِ رأسه. وقد نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن إضاعة المال. اهـ. ص ١٧٥ - ج ٢. قلت: وملخص ما ذكره "العيني": ص ٥١٠ - ج ٤ أن أبا صالح، وسالمًا ذهبا إلى أنه يخلعه من قبل رجليه، وعن جعفر بن محمد بن علي رضي الله عنه إذا أحرم، وعليه قميص لا ينزعه من رأسه، بل يَشُقُّه، ثم يخرُجُ منه، كما في "مصنف ابن أبي شيبة" وذكر علي: ٥٢٢ - ج ٤ أنه لا يجبُ قطع القميص والجُبة على المحرم إذا أراد نزعها، بل أن ينزع ذلك من رأسه، وإن أدى إلى الإِحاطة برأسه، خلافًا لمن قال: "يَشُقُّه، وهو قول الشَّعبي: والنَّخَعي.
ويُروى ذلك عن الحسن، وسعيد بن جُبير. وذهب الجمهورُ إلى جوازِ نزعِ ذلك من الرأس. وبه قال أبو حنيفة، ومالك، والشافعي؛ والحديث حجةٌ لهم، ولو ارتدى القميص لا يضرُّه. اهـ.
فأخرج الطحاوي في باب: الرجل يحرم وعليه قميص، من "معاني الآثار" عن جابر بن عبد الله، قال: كنت عند النبي - صلى الله عليه وسلم - جالسًا في المسجد، فقدّ قميصه من جَيبِه، حتى أخرجه من رجليه، فنظر القومُ إلى النبي، فقال: "إني أمرتُ بِبُدني التي بعثتُ بها أن تَقَلَّد اليوم وتشعر على كذا وكذا، فلبستُ قميصي، ونسيتُ، فلم أكن لأخرج قميصي من رأسي"، وكان بعث ببُدْنه، وأقام بالمدينة. قال أبو جعفر: فذهب قوم إلى هذا، فقالوا: لا ينبغي للمحرم أن يخلعه، كما يخلع الحلال قميصه، لأنه إذا فعل ذلك غطى رأسه، وذلك عليه حرام، فأمر بشقه لذلك.
وخالفهم في ذلك آخرون، فقالوا: بل ينزعه نزعًا، ثم ذكر الحديث الوارد فيه. ثم توجه إلى بيان النظر فيه، فقال: رأينا المحرم نُهِي عن لُبس القَلَانِس، والعمائم، والبرانس، فنُهي أن يُلبِسَ رأسُه شيئًا، كما نُهي أن يلبس بدنه القميص. ورأينا المحرم لو حمل على رأسه شيئًا، ثيابًا، أو غيرها لم يكن بذلك بأسًا، ولم يدخل ذلك فيما قد نُهي عن تغطية الرأس بالقلانس وما أشبهها، لأنه غير لابس، فكأن النهي إنما وقع من ذلك على تغطية ما يلبسُه الرأس، لا على غير ذلك مما يغطى به.
وكذلك الأبدان نُهي عن إلباسِها القميص، ولم ينه عن تجليها بالأزر -ولعله تجللها-، فلما كان ما وقع عليه النهي من هذا في الرأس إنما هو الإِلباس لا التغطية التي ليست بإِلباس، وكان إذا نزع قميصه، فلاقى ذلك رأسه، فليس ذلك بإِلباس منه رأسه شيئًا، إنما ذلك تغطية منه لرأسه. وقد ثبت بما ذكرنا أن النهي عن لُبس القلانس لم يقع على تغطية الرأس، وإنما وقع على إلباس الرأس في حال الإِحرام، ما يلبس في حال الإِحلال، فلما خرج بذلك ما أصاب الرأسَ من القميص المنزوع من حال تغطية الرأس المنهي عنها، ثبت أنه لا بأس بذلك قياسًا، ونظرًا على ما ذكرنا. وهذا قول أبي حنيفة، وأبي يوسف، ومحمد رحمهم الله تعالى اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>