للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الإِحرام، أي إذا أهلَّ كإِهلال فلان هل يصيرُ بذلك مُحرمًا أو لا؟ فنسب النووي إلينا: أنه لا يكون محرمًا عندنا، وهو سهوٌ، فإنَّه يصح عندنا (١)، غيرَ أنه يجبُ عليه أن يعين إحدى العبادتين: الحج، أو العمرة، قبل الدخول في الأفعال. والنووي لم يحقق مذهبَ الحنفية، حتى أظن أنه غَلِطَ في نقل مذهبنا في نحو مئة مسألة. بخلاف الحافظ ابن حجر، فإِني لا أذكر خطأه في ذلك إلا في مسألة - من باب الزكاة - وعند الشافعية يصيرُ محرمًا بعين ذلك الإِحرام. فالفرق بيننا وبينهم أنه يصيرُ بالتعليق محرِمًا بأصل الإِحرام عندنا، فله أنْ يُعيِّن قبل الدخول ما شاء، وعندهم يصيرُ محرمًا بعين ذلك الإِحرام. وتمسكوا بإِحرام علي، قلنا: فماذا تقولون في إحرام أبي موسى، فإِنه كان أهلَّ كما أهلَّ به علي، ثم أمره النبي صلى الله عليه وسلّم أن يُحل؟ وأما عليٌّ فإنَّما لم يأمُرْه النبي صلى الله عليه وسلّم به لمكان الهَدْي عنده.

١٥٥٨ - حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِىٍّ الْخَلَاّلُ الْهُذَلِىُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ حَدَّثَنَا سَلِيمُ بْنُ حَيَّانَ قَالَ سَمِعْتُ مَرْوَانَ الأَصْفَرَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضى الله عنه - قَالَ قَدِمَ عَلِىٌّ - رضى الله عنه - عَلَى النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - مِنَ الْيَمَنِ فَقَالَ «بِمَا أَهْلَلْتَ». قَالَ بِمَا أَهَلَّ بِهِ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم -. فَقَالَ «لَوْلَا أَنَّ مَعِى الْهَدْىَ لأَحْلَلْتُ». وَزَادَ مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ لَهُ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - «بِمَا أَهْلَلْتَ يَا عَلِىُّ». قَالَ بِمَا أَهَلَّ بِهِ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ «فَأَهْدِ وَامْكُثْ حَرَامًا كَمَا أَنْتَ». تحفة ١٥٨٥، ٢٤٥٧ - ١٧٣/ ٢

١٥٥٩ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِى مُوسَى - رضى الله عنه - قَالَ بَعَثَنِى النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى قَوْمٍ بِالْيَمَنِ فَجِئْتُ وَهْوَ بِالْبَطْحَاءِ فَقَالَ «بِمَا أَهْلَلْتَ». قُلْتُ أَهْلَلْتُ كَإِهْلَالِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ «هَلْ مَعَكَ مِنْ هَدْىٍ». قُلْتُ لَا. فَأَمَرَنِى فَطُفْتُ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ثُمَّ أَمَرَنِى فَأَحْلَلْتُ فَأَتَيْتُ امْرَأَةً مِنْ قَوْمِى فَمَشَطَتْنِى، أَوْ غَسَلَتْ رَأْسِى، فَقَدِمَ عُمَرُ - رضى الله عنه - فَقَالَ إِنْ نَأْخُذْ بِكِتَابِ اللَّهِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُنَا بِالتَّمَامِ قَالَ اللَّهُ (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ) وَإِنْ نَأْخُذْ بِسُنَّةِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - فَإِنَّهُ لَمْ يَحِلَّ حَتَّى نَحَرَ الْهَدْىَ. أطرافه ١٥٦٥، ١٧٢٤، ١٧٩٥، ٤٣٤٦، ٤٣٩٧ - تحفة ٩٠٠٨، ١٠٤٦٩، ١٠٥٨٣


= يكن عندهما أصلٌ يرجعان إليه في كيفية الإِحرام، فأحالاه على النبي - صلى الله عليه وسلم -. وأما الآن فقد استقرت الأحكام، وعُرِفت مراتبُ الإِحرام، فلا يصح ذلك. والله أعلم.
وكأنه أخذ الإِشارة عن تقييده بزمن النبي - صلى الله عليه وسلم -. اهـ. قلت: ففي عبارة الحافظ تصريح بأن مذهبَ الكوفيين عدمُ صحة الإِحرام على الإِبهام، فإن كان المراد منهم أبو حنيفة، ومن تبعه، فهو خلاف الواقع، وإن كان غير هؤلاء، فهو أعلم به.
(١) قال الخَطَّابي: وفيه -أي إحرام علي- دليلٌ على أنَّ الإِحرامَ مُبهمًا من غير تعيين، جائزٌ، وأن صاحِبَهُ بالخيار، إن شاء صَرَفه إلى الحج والعمرة معًا، وإن شاء صَرَفه إلى أحدهما دون الآخر. وأنه ليس كالصلاة التي لا تُجزىء إلا بأن يُعيِّن مع العقد والإِحرام. اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>