للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

زمنهم مع بقائهم على اليهودية، والنصارنية، كذلك الصابئون أيضًا كانوا مؤمنين في زمانهم، مع بقائهم على الصابئية، مع أنهم لم يؤمنوا قط، فإن فريقًا منهم كان يتدينُ بأول المبادىء على طريق الفلاسفة، وفرقة أخرى كانت تتعبدُ بالنجوم في هياكلهم، وأخرى كانت تنحت الأصنام وتعبدها، صرح به في «روح المعاني» والجَصَّاص في «أحكام القرآن».

وقد بحث العلماء عن شؤون الصائبة، وأحسنُ من بحث عنهم هو الإمام أبوبكر الجصاص، تكلم عنهم في ثلاثة مواضع من تفسيره: «أحكام القرآن» كلامًا جيدًا شافيًا محققًا، وكذا ابن النَّديم في «الفهرست» فليراجع (١)، .................


(١) قال الجصاص في تفسير سحر أهل بابل: إنهم كانوا قومًا صابئين يعبدون الكواكب، السبعة ويسمونها آلهة، ويعتقدون أن حوادثَ العَالم كلها من أفعالها، وهم معطِّلة لا يعترفون بالصانع الواحد المبدعِ للكواكب، وجميع أجرام العالم، وهم الذين بعث الله إليهم، إبراهيم خليله صلوات الله عليه، فدعاهم إلى الله تعالى ... وكان أهل بابلَ والعراق والشام ومصر والروم على هذه المقالة إلى أيام بيوراسب الذي تسميه العرب: الضحاك ... وكانت علوم أهل بابَل قَبل ظَهور الفرس عليهم الحيل والنيرنجيات، وأحكام النجوم، وكانوا يعبدون أوثانًا قد عملوها على السماء والكواكب السبعة، وجعلوا لكل واحد منها هيكلًا فيه صنمه، ويتقربون إليها بضروب من الأفعال على حسب اعتقاداتهم موافقة ذلك الكوكَب الذي يطلبون منه بزعمهم فعلَ خيرٍ أو شرٍ فمن أراد شيئًا من الخير والصلاح بزعمه، يتقرب إليه بما يوافق المشتري من الدخن، والرقي والعقدِ، والنفث عليها، ومن طلب شيئًا من الشر والحرب والموت والبوار لغيره، تقرب بزعمه إلى زحل بما يوافقه من ذلك، إلى آخر ما بسطه من خرافاتهم وأباطيلهم كذا في "أحكام القرآن".
وقال في آخر باب تزوج الكتابيات:
قال أبو بكر: الصابئون الذين يعرفون بهذا الاسم في هذا الوقت، ليس فيهم أهل كتاب، وانتحالهم في الأصل واحدٌ، أعني الذين بناحية حرَّان، والذين بناحية البطائح في سواد واسط، وأصلُ اعتقادهم تعظيم الكواكب السبعة، وعبادتها، واتخاذها ألهة، وهم عبدة الأوثان في الأصل، إلّا أنهم منذ ظهر الفرس على إقليم العراق وأزالوا مملكة الصابئين، وكانوا نَبطًا لم يجسروا على عبادة الأوثان ظاهرًا، لأنهم منعوهم من ذلك، وكذلك الروم، وأهل الشام والجزيرة كانوا صابئين فلما تنصَّرَ قسطنطين حملهم بالسيف على الدخول في النصرانية فبطلت عبادةُ الأوثان مِن ذلك الوقت ودخلوا في غِمار النصارى في الظاهر، وبقي كثير منهم على تلك النِّحلة مستخفين بعبادة الأوثان، فلما ظهر الإِسلام دخلوا في جملة النصارى، ولم يميز المسلمونَ بينهم وبين النصارى، إذ كانوا مستخفين بعبادة الأوثان، كاتمين لأصل الاعتقاد، وهم أكتم الناس لاعتقادهم، ولهم أمور وحيل في صبيانهم إذا عقلوا في كتمان دينهم.
وعنهم أخذت الإسماعيلية كتمان المذهب، وإلى مذهبهم انتهت دعوتهم، وأصلُ الجميع اتخاذ الكواكب السبعة آلهة وعبادتها، واتخاذها أصنامًا على أسمائها، لا خلاف بينهم في ذلك، وإنما الخلاف بين الذين بناحية حرَّان وبين الذين بناحية البَطَائح في شيء من شرائعهم، وليس فيهم أهل كتاب، فالذي يغلب في ظني في قول أبي حنيفة في الصابئين أنه شاهد قومًا منهم أنهم يُظهرون أنهم من النصارى وأنهم يقرؤون الإِنجيل وينتحِلُون دين المسيح تقيةٌ، لأن كثيرًا من الفقهاء لا يرون إقرارَ معتقدي مقالهم بالجزية، ولا يقبل منهم إلّا الإسلام أو السيف، ومن كان اعتقاده من الصابئين ما وصفنا، فلا خلاف بين الفقهاء أنهم ليسوا أهل كتاب، وأنه لا تؤكل ذبائحهم ولا تنكح نساؤهم. انتهى. =

<<  <  ج: ص:  >  >>