للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

يطوفُ طوافين، ويسعى سعيين، وهل تعرف عليًا من هو؟!:


= قلت: فثبت من كلام العلامة تعدد الطواف والسعي للقارن كلاهما، ولله الحمد، وإنما اكتفينا بهذا القدر لأن لنا في اقتداء علي، وابن مسعود، كفاية، وأثرهما قد رُوي من غير وجه، بعضه ضعيف، وبعضه قوي، وقد أتى العلامة بأسانيدهما ما لا شك في ثبوتها، فليراجع "الجوهر النقي".
وعندي مذكرة للشيخ رحمه الله في طواف القارن، وكنت قد نقلتُها من قبل، ووقع في النقل سقط أيضًا، ومع هذا اغتنمت ذكرها هنا بلفظه فليُغتنم، وليستدرك السقط من أمكن له ذلك (*).
قال: حديث ابن عمر، "ثم قدم، فطاف لهما طوافًا واحدًا"، أكثر ألفاظِهِ وطرقِهِ تدل على أنه الطواف عند القدوم، وكان واحدًا لهما، وهو من باب قوله: "ما شأن الحج والعمرة إلا واحدًا، فكذا إحرامهما، وإحلالهما لا غيرهما، سواء كان للعمرة، واندَرَج فيه القدوم، كما عند الحنفية، أو عكسه كما هو مذهب الشافعية، على ما حُكي عن "مختصر المُزَني"، وكذلك هو في "الأم"، وإنما تركه ليكونَ أمرُ الناس واحدًا في ثلاثة أطواقه.
ونظرنا نظير ترجمة البخاري: باب المعتمر إذا طاف طواف العمرة، ثم خرج، هل يجزئه من طواف الوداع، وما عند البخاري: عن ابن عمر أنه طاف طوافًا واحدًا، ثم يقبل، ثم يأتي مِنىً -يعني يوم النحر- ودفعه عبد الرزاق، قال: حدثنا عبيد الله (**)، وما عنده: ٢٤٣، وكان يقول: لا يحل حتى يطوف طوافًا واحدًا يوم يدخل مكة، ظاهر في أنَّه طواف يوم النحر، وعليه مشى في "الفتح" "والإِرشاد"، فعندهم هذا الطواف لهما، وعندنا للحِل منهما، وراجع ما نقله في "الفتح" من طواف القارن عن مالك، وفي "الأم" من باب الاضطباع أنه للحل فتوى ابن عباس في خلاف الترتيب من "الفتح" تكلم في إسناده هناك، وسكت. وأرجعه محمد في "الموطأ" على قول أبي حنيفة، إلى خَصلة، وهي سُوءُ الترتيب في الحلق، وراجع "الجوهر النقي" (وفي كلام الطحاوي أن طواف الزيارة إنما هو في حال الإِحرام)، وعند مسلم في رواية القطان، "ثم طاف لهما طوافًا واحدًا بالبيت، وبين الصفا والمروة، ثم لم يحل منهما حتى أحل منهما بحجة يوم النحر"، وفي رواية: وكان يقول: "من جمع بين الحج والعمرة كفاه طواف واحد، ولم يحل حتى يحل منهما جميعًا"، فهذه على المحمل الأول.
والحاصل: أن أكثرَ الروايات على هذا المحمل، ولذا استشكله في "الفتح"، وما عند البخاري، فلعله على المحمل الثاني. فقد جاءت الروايات على كلا المحملين، ولا يضر الحنفية. ورواية الدَّرَاوَرْدِي عند الترمذي إن كانت كلمة "حتى" فيها للغاية، فعلى المحمل الأول، وإن كانت بمعنى "كي" فعلى المعنى الثاني، ولا يلومُ أنْ تحمل الروايات كلها على معنى. وهذا إنما كان ابن عمر يفعله إذا كان قادمًا، وإذا كان مقيمًا بمكة، فكان يفعل ما في "الموطأ" من باب إهلال أهل مكة، ومن بها من غيرهم، وفعل ذلك عبد الله بن عمر، فكان يُهل لهلال ذي الحَجة من مكة، ويؤخر الطوافَ بالبيت، والسعيَ بين الصفا والمروة، حتى يرجع من مِنىً. اهـ.
فإن قلت: إذا كان الإجزاء بالطواف الواحد ثبتَ عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، فما اعتناءُ الرواة بفعل ابن عمر؟ قلت شاهدوا فعلَه، ومنه أخذوا أنَه قال: "هكذا رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يفعله". اهـ. وقال مالك قبله: وقد فعل ذلك أصحابُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذين أهلوا بالحج، فأخَّرُوا الطواف بالبيت، والسعيَ بين الصفا والمروة، حتى رجعوا من مِنىً. اهـ.
وهذا ردٌّ على صاحب "الهدي" في زعمه أن المتمتعين في ذلك العام لم يسعَوا ثانيًا، وذلك يجوز في رواية عن أحمد. ويرد عليه أيضًا ما عند البخاري عن ابن عباس، وما عند أبي داود، وكذا ما عند الطَّيَالسي من حديث جابر في الطواف الواحد، والسعي الواحد، ولو متمتعًا على رواية أبي داود، فمحمولٌ على معنىً أنه لم يسع كلهم على طريق سلب العموم لا عمومه، أي مع الأمير جماعة، بل كل على حِيَاله ارسالًا بعد قطع التلبية، فإنها لا تليقُ عند الجمرة. وكأن القطع عندهما للإِشارة إلى الإِرسال. =

<<  <  ج: ص:  >  >>