للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

كَإِهْلَالِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم -. قَالَ «أَحْسَنْتَ، انْطَلِقْ فَطُفْ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ». ثُمَّ أَتَيْتُ امْرَأَةً مِنْ نِسَاءِ بَنِى قَيْسٍ، فَفَلَتْ رَأْسِى، ثُمَّ أَهْلَلْتُ بِالْحَجِّ، فَكُنْتُ أُفْتِى بِهِ النَّاسَ، حَتَّى خِلَافَةِ عُمَرَ - رضى الله عنه - فَذَكَرْتُهُ لَهُ. فَقَالَ إِنْ نَأْخُذْ بِكِتَابِ اللَّهِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُنَا بِالتَّمَامِ، وَإِنْ نَأْخُذْ بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لَمْ يَحِلَّ حَتَّى بَلَغَ الْهَدْىُ مَحِلَّهُ. أطرافه ١٥٥٩، ١٥٦٥، ١٧٩٥، ٤٣٤٦، ٤٣٩٧ تحفة ٩٠٠٨، ١٠٤٦٩، ١٠٥٨٣ - ٢١٣/ ٢

واعلم أنَّ الأفعالَ في يوم النحر أربعة: الرمي، والنحر، والحلق، والطواف. ويلزمُ الترتيب بينها للقارِن دون المُفرد، فإنَّ الدم لا يجب عليه رأسًا. ثم الطواف عبادةٌ لا جناية في تقديمه. بقي الرميُ، والحلق في حق المُفرد، والثلاثة الأوَل للقارن، فيجب الترتيبُ في حقِّهما، والأسئلة في سوء الترتيب نحو ستة، وجوابُه في كلها: «افعل ولا حَرَج».

ثم الجوابُ عندنا في المسائل كلها نحو ما في الحديث، إلا في مسألة، ففيها الحرجُ عندنا، وكذلك يجبُ الجزاءُ في بعض الصور عند مالك، وعند أحمد. نعم، لا جزاءَ عند الصاحبين، والشافعي مطلقًا. وعموم قولِهِ صلى الله عليه وسلّم «لا حرج» حجةٌ لهم، وقد مر جوابه عن الطحاوي في كتاب العلم أن نفيَ الحرجِ محمولٌ على نفي الإِثم، لا نفي الجزاء، وذلك من خصائص الحج أنَّ الشرعَ يُبيح له ارتكابَ محظورٍ لعذر، ثم يوجب عليه الجَزَاءَ، ككفارة الأذى في القران، فلا تنافيَ في هذا الباب بين إيجاب الجزاء، ونفي الجُنَاح، وقد بَسَطه في كتابه جدًا.

ولا بعد عندي أنْ يُحمل قوله: على نفي الجزاء أيضًا. نعم، يقتصر على عهده صلى الله عليه وسلّم للجهل بالمسائل في ذلك الزمان، وإنما يُعدُّ ذلك عذرًا عند انعقاد الشرع، لا بعد تقرره واشتهارِه على البسيطة كلها. ثم هل الجهلُ عُذْرٌ في مسائل العبادات والديانات أو لا؟ فقد تكلمنا عليه في العلم، فراجعه (١).


(١) وفي "شرح العمدة" سقوط الدم عن الجاهل والناسي، دون العامد قويٌ، من جهة أنَّ الدليلَ دلَّ على وجوبِ اتباع
أفعال النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحج، بقوله: "خذوا عني مناسككم"، وهذه الأحاديث المرخَّصة بالتقديم لما وقع السؤالُ
عنها، إنما قُرنت بقول القائل: "لم أشْعُر"، فيخصص الحكم بهذه الحالة، وتبقى حالة العمدِ على أصل وجوبِ
اتباع الرسول - صلى الله عليه وسلم - في الحج. وهذا مني أيضًا على حكم القاعدة، في أن الحكمَ إذا رُتِّب على وصف يُمكن أنْ
يكون معتبرًا لم يجز إطراحه، وإلحاقُ غيره مما لا يساويه به.
ولا شك أن عدم الشعور وصفٌ مناسبٌ لعدم التكليف، والمؤاخذة، والحكم عُلِّق به، فلا يمكن إطراحه بإلحاق
العمد، إذ لا يساويه، فاِن تمسك بقول الراوي: "فما سُئل عن شيء قُدِّم ولا أُخِّر، إلا قال: افعل ولا حرج"، فإنَّه
قد يُشعر بأنَّ الترتيب مطلقًا غير مراعى في الوجوب. فجوابه أنَّ الراويَ لم يحك لفظًا عامًا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
يقتضي جوازَ التقديم والتأخير مطلقًا، وإنما أخبر عن قوله عليه الصلاة والسلام: "لا حرج"، بالنسبة إلى كل ما سُئل
عنه من التقديم والتأخير. وهذا الإخبار من الراوي، إنما تعلق بما وقعَ السؤالُ عنه، وذلك مطلقٌ بالنسبة إلى حال
السؤال، وكونه وقع عن العمد أو عدمه. والمطلق لا يدل على أحدِ الحالين بعينهِ، فلا تبقى حجةٌ في حالة
العمد. اهـ. =

<<  <  ج: ص:  >  >>