للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ثَائِرُ الرَّأْسِ، يُسْمَعُ دَوِىُّ صَوْتِهِ، وَلَا يُفْقَهُ مَا يَقُولُ حَتَّى دَنَا، فَإِذَا هُوَ يَسْأَلُ عَنِ الإِسْلَامِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - «خَمْسُ صَلَوَاتٍ فِى الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ». فَقَالَ هَلْ عَلَىَّ غَيْرُهَا قَالَ «لَا، إِلَاّ أَنْ تَطَوَّعَ». قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - «وَصِيَامُ رَمَضَانَ». قَالَ هَلْ عَلَىَّ غَيْرُهُ قَالَ «لَا، إِلَاّ أَنْ تَطَوَّعَ». قَالَ وَذَكَرَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الزَّكَاةَ. قَالَ هَلْ عَلَىَّ غَيْرُهَا قَالَ «لَا، إِلَاّ أَنْ تَطَوَّعَ». قَالَ فَأَدْبَرَ الرَّجُلُ وَهُوَ يَقُولُ وَاللَّهِ لَا أَزِيدُ عَلَى هَذَا وَلَا أَنْقُصُ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - «أَفْلَحَ إِنْ صَدَقَ». أطرافه ١٨٩١، ٢٦٧٨، ٦٩٥٦ - تحفة ٥٠٠٩

واعلم أن قِصة هدا الرجل تُشبه بقصة ضِمام بن ثعلبة، فاختلفوا فيه أنهما واقعتان، أو واقعة واحدة، وأتى ضِمام في السنة الخامسة، فاعلمه.

٤٦ - (إلا أن تطوع) واستدلَ منه الشافعية على نفي (١) وجوب الوتر، وليس بشيء. واستدل منه الحنفية أيضًا على أن النوافلَ تلزمُ بالشروع، وجعلوا الاستثناء متصلًا، أي فإنه يجب عليك. وجعله الحافظ رحمه الله تعالى منقطعًا. قلت: إن مالكًا رحمه الله أيضًا يوجب القضاء فيما أبطله بلا وجه. وأجمع الكلُّ في إيجاب القضاء بعد إفساد الحج. ونظر الحنفية في سائر العبادات كنظرهم في الحج.

وأحسنُ ما يُستدل به للمذهب ما اختاره صاحب «البدائع» وقال: إنه نذرٌ فعليٌ، فقسم النذرَ إلى قولي وفعلي، وجعل الشروعَ نذرًا فعليًا، وهذا جيد جدًا. أما الاستدلال بقوله تعالى: {وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: ٣٣] فليس بناهضٍ، لأن الآيةَ إنما سيقت لبطلان الثوابِ لا للبطلان الفقهي، كما يدل عليه السياق، فهي كقوله: {لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى} [البقرة: ٢٦٤].

ثم أقول: إن الحديث خارجٌ عن موضع النِّزَاع، فإن الإيجاب المذكورَ فيه إنما هو الإيجابُ من جهة الوحي، ومسألة لزومِ النفل بالشروع إنما هو في إيجابِ العبد على نفسه شيئًا بِخَيْرَتِهِ وطوعه، فافهم ولا تعجل.

«وأبيه» وفيه حَلفٌ بغير الله. قال الشوكاني: وهو من فَلَتَات لسانِهِ صلى الله عليه وسلّم والعياذ بالله أن تجري على لسانه فَلْتة ما تكون فيه شوائب الشرك. مع أنه قد ثبت عنه في نحو أربعة أو خمسة


(١) نقل المَقْرِيزي في "تلخيص قيام الليل" لمحمد بن نصر حِكاية أن رجلًا سأل أبا حنيفة رحمه الله أن الله تعالى كم فَرَضَ من الصلوات؟ فقال: خمسا، فقال: أين الوتر؟ فأعاد عليه السؤال، كل ذلك يجيبُه الإمام رحمه الله تعالى بأنها خمس، فسخِر منه الرجل وقال: إنه لا يدري الأعداد أيضًا. "قلت": أما محمد بن نصر فما أقول فيه، فإنه رجل عظيم القدر، أما هذا السائل فإنه عَجزَ أن يفهم جواب الإمام رحمه الله تعالى، مع أنه كان أجابه مرتين، فإن الوتر تابعٌ للخمس وإن كان مستقلًا في بعض الأنظار وبعض المسائل، وقد أنكر صاحب "البدائع" من كونه تابعًا للعشاء، وإني أعلنُ على رؤوس الأشهاد بأنه تابعٌ للعشاء عندي قطعًا، وإن لم يكن تابعًا في بعض الملاحظ، فذلك أمرٌ آخر.

<<  <  ج: ص:  >  >>