للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ قَالَ أَخْبَرَنِى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِى بَكْرَةَ عَنْ أَبِيهِ - رضى الله عنه - عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ «شَهْرَانِ لَا يَنْقُصَانِ شَهْرَا عِيدٍ رَمَضَانُ وَذُو الْحَجَّةِ». طرفاه ١٩٠٨، ٥٣٠٢ - تحفة ١١٦٧٧

قال أحمد في «تفسيره»: أي لا يَنْقُصَان عددًا في سنةٍ واحدةٍ. فإن نَقَصَ هذا. وإن تَمَّ هذا تَمَّ هذا، نَقَصَ هذا. وردَّ عليه الطَّحَاوِيُّ (١)، وقال: وهو خلافُ الواقع، فإنه وَقَع مرَّةً نحوه في عهده، فَنَقَصَ كلاهما معًا. قلتُ: وحينئذٍ يُحْمَلُ قول أحمد على الأكثر. وقال إسحاق: معناه لا يَنْقُصَان بحَسَب الأجر، فالشهرُ الناقصُ منهما كالتامِّ منهما. ويُرَدُّ عليه أن هذا معقولٌ في رمضان، لأن وظيفةَ الصِّيَامِ تَسْتَوْعِبُه، فيمكن أن يكونَ تسعٌ وعشرون منه كالثلاثين في الأجر. إلا أنه لا يُعْقَلُ في ذي الحِجَّة، فإنه لا عبادةَ في النصف منه. نعم يَصِحُّ عند مالك، لأن الأضْحِيَةَ عنده جائزةٌ إلى آخر الشهر في روايةٍ.

وقال السيوطي: إن الأشهرَ أوتارٌ وأشفاعَ. فالأوتارُ منها تكون تسعًا وعشرين، والأشفاعُ ثلاثين، هكذا عند علماء الحساب. وأمَّا ما يُوجَدُ خلافه، فهو من الخطأ في الرُّؤْية. فكأن النبيَّ صلى الله عليه وسلّم َخْبَرَ بما في الواقع، لا أنه ذكر حكمًا شرعيًا. فلا يمكن أن يَنْقُصَ شهر رمضان، وذي الحِجَّة كلاهما، فإن الأوَّلَ من الأَوْتَار، والثاني من الأَشْفَاع، فلا بد أن يَنْقُصَ الأوَّل، ويتِمَّ الثاني، فصَحَّ قوله: «شهرا عيدٍ لا يَنْقُصَان».

قلتُ: وراجعت له الزيج، فتبيَّن منه أن الأشفاعَ والأوتارَ من مصطلحاتهم باعتبار فنِّهم، فاعتبروها ناقصةً وتامةً بحَسَبِ موضوعهم، لا أنها كذلك عندهم في الخارج، والواقع. ثم إن ستة أشهرٍ تكون تسعًا وعشرين، وستةً منها ثلاثين عند علماء الحساب. ولا يُشْتَرَطُ عندهم التَّوَالي، ويمكن أن تتوالى ثلاثةُ أشهرٍ منها ناقصةً، وحينئذٍ جواب السيوطي، كما ترى.

وقد أجاب عنه الطِيبيُّ أيضًا، وأجاد، وحاصله: أن العيدَ من ذي الحِجَّة، وإن كان في العاشرة خاصةً، إلا أنه اشتهر في العُرْفِ وصفُ هذا الشهر كلِّه بالعيد، وإن لم نُدْرِكْ وجهه. وهذا كما أن عيدَ الفِطْرِ في أول يومٍ من شوال، إلا أنه نُسِبَ إلى رمضانَ لمناسبةٍ، فَعَدَّ رمضانَ أحد شهري عيدٍ، فكما أن كون يومًا من شوال عيدًا تناول الشَّهْرَ كلَّه، كذلك صار ذو الحِجَّة كلُّه عيدًا بيومٍ واحدٍ (٢).


(١) قال الطحاويُّ في "مشكله": حدثنا إبراهيم بن أبي داود: حدثنا فَرْوَة بن أبي المَغْرَاء: حدثنا القاسم بن مالك المُزَني، عن عبد الرحمن بن إسحاق، عن عبد الرحمن بن أبى بَكرة، عن أبيه، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "كلُّ شهرٍ حرامٍ ثلاثون يومًا، وثلاثون ليلةً"، فكان هذا عندنا ليس بشيء، إذ كان عبد الرحمن بن إسحاق لا يُقَاوِمُ خالد الحَذاء في إمامته في الرواية، ولا في ضبطه فيها، ولا في إتقانه لها. وأيضًا كان العِيَان قد دفع ذلك، وبالله التوفيق.
(٢) قلتُ: ولا أدري بالضبط ماذا ألقى علينا الشيخُ من مراد الطيبي، وماذا كتبتُ؟ فرأيتُ أن أَنْقُلَ عبارته من نسخة قلمية، مع سَقْطٍ فيها من الناسخ، وهذا نصُّه: قيل: فيه وجوهٌ: فمنهم من قال: لا يَنْقُصَان معًا في سنةٍ واحدةٍ، حَمَلُوه على غالب الأمر. ومنهم قال: إنه أراد بفضل العمل في العشر من ذي الحِجَّة في الأجر والثواب من شهر رمضانَ. ومن قائلٍ ثالثٍ: إنهما لا يكونان نَاقِصَيْن في الحكم، وإن نقصا في العدد، أي لا يَعْتَرِضُ في قلوبكم شَكٌّ إذ صُمتُم تسعة وعشرين يومًا، وأن يقع في شهر الحجِّ خطأٌ، لم يكن في نُسُككم هو نقصٌ. =

<<  <  ج: ص:  >  >>