للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قلتُ: إن أخذت تماميتهما باعتبار الأجر، فله وجهٌ أيضًا. أمَّا في رمضان، فظاهرٌ. وأمَّا في ذي الحِجَّة، فلأن العبادةَ في العشر منها منصوصٌ. وما عُلِمَ بعد السَّبْرِ أنها هي التكبيرُ، والصِّيَام. وأمَّا للحاجِّ فله ما وُظِّفَ له في تلك الأيام. فإذا عَلِمْتَ أن أفضلَ عبادتها الصيامُ، تَبَيَّنْتَ أن إطلاق العشرة لا يَصِحُّ عليها. فإن الصِّيَامَ وإن كان مُسْتَحَبَّا في تسعةٍ منها، لكنه في العاشرة حرامٌ، فما وجهُ إطلاق العشر؟ والذي ظَهَرَ لي: أن الإِمساكَ إلى الزوال - وهو وقتُ أكله من أضحيته - مستحبٌّ في العاشرة أيضًا. فهذا الصومُ الناقصُ اعتبره الشرعُ تامًا، فصَحَّ أن


= أقول: وظاهرُ سياق الحديث في بيان اختصاص الشهرين عزيمةٌ ليست في سائرها. وليس المرادُ أن ثوابَ الطاعة في سائرها قد يَنقُض دونهما. فينبغي أن يُحمَلَ على الحكم، ورفع الجُنَاح، والحرجِ ممَّا عسى أن يَقَعَ فيه خطأٌ في الحكم لاختصاصهما بالعيدين، وجواز احتمال الخطأ فيهما. ومن ثم لم يَقُلْ: شهرُ رمضانَ، وذي الحِجَّة. انتهى.
فليُصَحِّح الناظرُ عبارتَه، ثم ليُمعِن النظرَ في مراده. والذي فَهِمتُه من ظاهر عبارته: أن في الشهرَين معنًى ليس في غيرهما، وهو العِيدِيَّة، وربَّما يقعُ فيها الخطأ عند اختلاف الأَهِلَّة. فنبَّه على أن هذين الشهرين لا يَنقُصان أجرًا، وإن وَقَعَ الخطأُ فيهما. وهو الحكم في سائر الأشهر، إلَّا أنه خصص رمضانَ، وذا الحِجَّة بالذكر لاشتمالهما على عبادةٍ مخصوصةٍ، وعيد المسلمين والناسُ يتساءلون فيهما عن الأَهِلَّة، وتَذهَبُ الأوهامُ إلى نُقصان الأجر فيهما عند اختلاف الأَهِلَّة، فالدخيل في عدم النقصان هو العِيديَّة. ولعلَّ هذا الذي أراده الشيخُ مع بيان النُّكتَةِ لكون رمضانَ وذي الحِجة شهري عيد. والله تعالى أعلم.
قلت: وقد تكلَّم عليه الطحاويُّ أيضًا في "مشكله"، ولعلَّه أيضًا يَؤُولُ إليه مع بعض تَغَايُر. قال: فاحتجنا إلى معنى قوله: "شهرا عيدٍ لا يَنْقُصَان"، ما هو؟ فوجدنا هذين الشهرين، وهما: رمضان، وذو الحِجَّة، تبينان عمَّا سواهما من الشهور، لأن أحدهما الصِّيَامَ، وليس في غيره من الشهور، فكان موهومًا أن يَقَعَ في قلوب قومٍ، أنهما إذا كانا تسعًا وعشرين، نَقَصَ بذلك الصومُ الذي في أحدهما، والحجُّ الذي في الآخر عمَّا يكونان عليه إذا كانا ثلاثين ثلاثين. فأعلمهم رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إنهما لا يَنْقُصَان، وإن كانا تسعًا وعشرين، غير ما يكون فيهما من هاتين العبادتين، وأن هاتين العبادتين كاملتين فيهما، وإن كان في العدد كذلك، ككمالهما فيهما إذا كانا ثلاثين ثلاثين ... إلخ.
قلت: ولكنه لم يَظْهَر من كلامه معنى نقصان الحجِّ، إذا كان الشهر تسعًا وعشرين. أما الصِّيامُ في رمضانَ، فظاهرٌ. وقد ظَهَرَ من كلام الطِيبي: أن الخطأ فيه يمكن أن يكون باعتبار يوم الحجِّ، والله تعالى أعلم بالصواب.
ثم ظَهَرَ من مراد الطِيبي أن لهذين الشهرين خصيصة ليست لغيرهما من الشهور، وهي العِيدِيَّة، فإِنها في هذين فقط، وإذًا لا بُدَّ أن يكونَ الحديثُ راجعًا إلى معنى المختصِّ بهما، وهو أن أوهامَ الناس إنما تتوجَّه إلى نُقْصَان في هذين، لمكان العيدين فيهما، فَيَزْعُمُون: لعلَّهم غَلِطُوا في عيدهم، لمكان اختلاف الأَهِلَّة، فهداهم الشرعُ أن لا نقصَ في هذين الشهرين، وليس هذا النقص راجعًا إلى عدد الأيام، بمعنى أن تِسعًا وعشرين منهما يساوي ثلاثين في الأجر، بل إلى نُقصَانٍ في عيدهم.
فإذن هو على حد قوله - صلى الله عليه وسلم -، عند الترمذي، عن أبي هريرة مرفوعًا، قال: "الصومُ يوم تَصُومُون، والفِطرُ يوم تَفطِرُون، والأَضحَى يوم تُضَحُّون". قال الترمذي: وفسَّر بعضُ أهل العلم هذا الحديث، فقال: إنما معنى هذا: الصومُ والفِطرُ مع الجماعة، وعِظَم الناس. اهـ.
قلت: فالمعنى أن التردُّدَ، وإجراءَ الوساوس في باب العيدين غَلَطٌ، فنفي النقصان عن هذين، على معنى النقص في نفس العِيدِيَّة لا غير. والله تعالى أعلم بمراد عباده.

<<  <  ج: ص:  >  >>