للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

تنبيهٌ: واعلم أن من يَقْسِمُون الطعام على المساكين بعد غروب الشمس من يوم عَاشُوراء،


= مع أنه أجِيبَ عن فوائده. وأمَّا الاستشكالُ بحديث ابن عباس، قال: "قَدِمَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - المدينةَ فرأى اليهودَ تَصُومُ يوم عَاشُورَاء، فقال: ما هذا؟ قالوا: هذا يومٌ صالحٌ، هذا يومٌ نجَّى الله بني إسرائيل من عدوهم، فصَامَهُ موسى. قال: فأنا أحقُّ بموسى منكم. فَصَامَهُ، وأَمَرَ بصيامه"، اهـ.
فليس بذاك، لأنه لم يُرْوَ في روايةٍ أن صَومَهُم هذا كان في السنة التي قَدِمَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - ليناقض كونه عاشرَ المُحرَّم.
فإن أصحابَ السِّرَ اتَّفقوا على أنه قَدِمَ الثامنة من ربيع الأول، وحينئذٍ لا يُمكِنُ أن يكونَ ذلك اليوم عاشر المُحرَّم. ووجهُ الدفع أنه لا دليلَ فيه على أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - وجدهم صائمين يومَ دَخَلَ المدينةَ. كيف! وقد صَامُوا العام عَاشُورَاء قبل مَقدَمِهِ، وإنما رآهم يَصُومُون من العام المُقبِلِ حين أَقبَلَ عليه شهر المُحَرم.
قال في "فتح الباري": قد كان أول قدومه المدينة، ولا شَكَّ أن قدومَه كان في ربيع الأول، فحينئذٍ كان الأمرُ بذلك في أول السنة الثانية، وفي السنة الثانية فُرِضَ شهر رمضان. فعلى هذا لم يَقَع الَأمرُ بصيام عَاشُورَاء إلَّا في سنةٍ واحدةٍ، ثم فُوْضَ الأمرُ في صيامه إلى رأي المتطوع. اهـ.
وقال في "عمدة القاري": فإن قيل: ظاهرُ الخبر يقتضي أنه - صلى الله عليه وسلم - لمَّا قَدِمَ المدينةَ وَجَدَ اليهودَ صِيَامًا يوم عَاشُورَاء، والحال أنه - صلى الله عليه وسلم - قَدِمَ المدينةَ في ربيعِ الأول. وأُجِيبَ: بأن المرادَ أول عِلْمِهِ بذلك. وسؤاله عنه بعد أن قَدِمَ المدينةَ، لا أنه قبل أن يَقدَمَهَا عَلِمَ ذلك. وقيل: في الكلام حذفٌ، تقديره: قَدِمَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فأقام إلى يوم عَاشُورَاء، فوجد اليهود فيه صيامًا.
وأما ما ذكره صاحب "نتائج الأفهام في تقويم العرب قبل الإسلام": أن يومَ قدومه - صلى الله عليه وسلم - كان يومَ عَاشُوراء، واحتجَّ عليه بروايته. فمع تخليطه في نقل سِيَاق الحديث، لا يقَتضي أن يكونَ ذلك هو عَاشُورَاء المشهور فيما بين المسلمين، أي عاشر المُحَرَّم. بل كان ذلك عَاشُورَاء عند اليهود، وهو عاشرُ تشرين الأول، لأن الحسابَ عندهم كان شمسيًّا، والشهرُ الشمسيُّ يكون دائرًا في الأشهر القمرية، فقد يُوَافِقُ التشرين الأول المُحَرَّم، وقد يُوَافِقُ ذا الحجة -آخر الأشهر القمرية- واتفق في تلك السنة أن عَاشُورَاء بالحساب الشمسيِّ، يُوَافِقُ الثامنةَ من ربيعٍ الأول، وهو اليوم الذي قَدِمَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - فيه المدينة، لأنه كان عَاشُورَاء المعروف فيما بين المسلمين أو اليهود الذين كانوا يَصُومُونه بحساب القمر.
ومن ههنا اندَفَعَ الخلافُ في ألفاظ اليهود في اعتبارهم عَاشُورَاء، فعند مسلم عن أبي موسى، قال: "كان أهل خيبَرَ يَصُومُون يومَ عَاشُورَاء، يتْخِذُونَهُ عيدًا، ويُلبِسُون نساءهم حُلِيَّهم وشَارَتَهم. فقال رسولُ لله - صلى الله عليه وسلم -: فَصُومُوه أنتم". اهـ.
وعند البخاري من الهجرة: "وإذا أُناس من اليهود يُعَظِّمُون عَاشُورَاء، وَيصُومُونه". اهـ. فإن التقييدَ بأهل خَيبَرَ بأُناسٍ من اليهود، يَدُلُّ على اختلافهم في هذا الباب.
وقال في "فتح الباري": ويحتمل أن يكونَ أولئك اليهود كانوا يَحْسُبُونَ يوم عاشوراء بحساب السنين الشمسيَّة، فصَادَفَ يومُ عَاشُورَاء بحسابهم اليومَ الذي قَدِمَ فيه - صلى الله عليه وسلم - المدينةَ. وهذا التأويل مما يترجَّحُ به أولويةُ المسلمين وأَحَقَّيَتُهم بموسى عليه الصلاة والسلام، لإِضلالهم في اليوم المذكور، وهداية الله المسلمين له. اهـ. فقيَّد بقوله: أولئك اليهود، وصرَّح بأن اليهودَ ضَلُّوا في تعيين يوم عَاشُورَاء، فكانوا شِيعًا، وهدى الله المسلمين إلى الصواب.
ثم قال الحافظُ: ثم وَجَدْتُ في "المعجم الكبير" للطبراني ما يُؤَيِّدُ الاحتمال المذكور أولًا، وهو ما أَخرَجَهُ في ترجمة زيد بن ثابت من طريق أبي الزَّنَاد، عن أبيه، عن خَارِجَة بن زيد بن ثابت، عن أبيه، قال: "ليس يومُ عَاشُورَاء باليوم الذي يقوله الناس، إنما كان يومٌ تُستَرُ فيه الكعبة. وكان يدور في السنة. وكانوا يَأتُونَ فلانًا اليهودي -يعني ليَحْسُبَ لهم- فلمَّا مات أتوا زيد بن ثابت فسألوه". وسندهُ حسنٌ، قال شيخنا الهيثمي في "زوائد المسانيد": لا أدري ما معنى هذا.
قلتُ: ظَفِرتُ بمعناه في كتاب "الآثار القديمة" لأبي الريحان البَيرُوني، فذكر ما حاصله: أن جَهَلَةَ اليهود يَعْتَمِدُون =

<<  <  ج: ص:  >  >>