للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أو من الغد، فليسوا يُحْرِزُون من صواب التصدُّق في ذلك اليوم شيئًا، فينبغي أن يُقْسَمَ الطعام قبل الغروب، ليقع التصدُّق في العاشر، لا في الحادي عشر.


= في صيامهم وأعيادهم حساب النجوم، فالسنةُ عندهم: الشمسية لا الهلالية. قلتُ: فمن ثَمَّ احتاجوا إلى من يَعرِفُ الحساب ليعتمدوا عليه في ذلك اهـ.
وحاصلهُ: أن عَاشُورَاء عند بعض اليهود لم يكن هو عَاشُورَاء المعروفة بعد الإِسلام، لأنه كان عندهم اليوم الذي تُسْتَرُ فيه الكعبة. ولمَّا كان هؤلاء اليهود يَعْتَبِرُون الحسابَ الشمسيِّ، كان عَاشُورَاؤهم دائرًا في الشهور القمرية، ومن ثَمَّ احتاجوا إلى من يَعرِفُ الحساب، فهدى اللهُ المسلمين إلى الحساب القمريِّ، وذلك الحساب كان عند ربك مَرْضيًّا. ثم تقييد أبي الريحان البَيرُوني قوله: بجَهَلَة اليهود، يَدُلُّ على أن الحساب في الأصل -بحسب كُتُبهم السماوية أيضًا- كان قمريًا، وإنما هم حوَّلوه إلى الشمسيِّ. وقد وُجِدَ في بعض الزِّيج والتقاويم: أن الحسابَ العِبرِيَّ قمريٌّ من لَدُن آدم عليه الصلاة والسلام إلى يومنا هذا، إلَّا عند من بدَّله إلى الشمسيِّ. وحمل بعضُ المفسِّرين قوله تعالى: {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ} [التوبة: ٣٧] على هذا التحويل، لأن في هذا التحويل تحويلٌ للأوقات الشرعية، وذلك يُنَاقِضُ أوضاعها.
قال في "الكشاف": وربما زَادُوا في عدد الشهور، فَيَجعَلُونها ثلاثة عشر، أو أربعة عشر، ليتَّسعَ لهم الوقت، ولذلك قال عزَّ وعلا: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا} [التوبة: ٣٦]، يعني من غير زيادةٍ زادوها. اهـ. وهكذا حديث: "ألَا إن الزمانَ قد استَدَارَ كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض، السَّنةُ اثني عشر شهرًا، منها أربعةٌ حُرُمٌ، ثلاثٌ مُتَوَاليَاتٌ: ذو القَعدة، وذو الحِجَّة، والمُحَرَّم، ورَجَبُ مُضَر، الذي بين جُمَادَى، وشعبان. هـ.
وجملة الكلام: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وَافَقَ في تعيين عَاشُورَاء الطائفةَ التي كانت على الحق منهم، وخالَفَ الذين حَوَّلُوا حسابهم إلى الشمسيِّ، فَضَلّوا وأضلُّوا.
ثم إن في هذا اليوم خصوصياتٌ أخرى غير نجاة موسى عليه الصلاة والسلام، قال في "فتح الباري": ولأحمد من طريق شُبَيل بن عَوْف، عن أبي هُرَيْرَة نحوه، وزاد فيه: "وهو اليوم الذي استوت فيه السفينةُ على الجُودِي، فصامه نوح شكرًا". اهـ.
وقال في "عمدة القاري": وروى ابن أبي شَيبَة بسندٍ جيدٍ، عن أبي هُرَيرَة يرفعه: "يومُ عَاشُورَاء تَصُومُه الأنبياءُ عليهم الصلاة والسلام، فصوموه أنتم". اهـ. ولا تعَارُضَ بين حديث ابن عباس المارَّ آنفًا، وبين حديث عائشة، قالت: "كان صوم عاشوراء تَصُومُه قريش في الجاهلية، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصُومُه في الجاهلية، فلمَّا قَدِمَ المدينةَ صامه، وأمر بصيامه". بل في حديث عائشة التصريح بأنه كان يَصُومُه قبل ذلك. فغايةُ ما في القصة أنه لم يَحْدُثْ له لقول اليهود تجديدُ حكمٍ، وإنما هي صفةُ حالٍ، وجوابُ سؤالٍ. ولم تَختَلِف الروايات عن ابن عباس في ذلك، ولا مُخَالفة بينه وبين حديث عائشة "أن أهلَ الجاهلية كانوا يَصُومُونه"، كما تقدّم إذ لا مانعَ من تَوَارُد الفريقين على صيامه، مع اختلاف السبب في ذلك. اهـ.
وأما الاستناد بما في التوراة: أن موسى عليه الصلاة والسلام نُجِّيَ في الثانية والعشرين من رمضان، وهي تكون الحادية والعشرين من نيسان بحسب شهورهم، لا عاشر المُحَرَّم، أو عاشر تشرين عندهم، فاستنادٌ بما ليست له عُمُدٌ. وَيظهَرُ من سياقه أنه من إلحاق الأحبار، فلا حُجَّةَ فيه، ودون صحته قطع المفاوز:
في طلعة الشمس ما يُغْنِيكَ عن زُحَل
انتهى كلامه.
وقد كانت تلك الرسالة قد شاعت في "مجلة القاسم"، فكنت أتَفَقْدُها تفقُّدًا. فما كنتُ أجدها عند أحدٍ من معارفي، حتى جرى ذكرها بيني وبين المولى محمد يوسف البَنَّوري، فبشَّرني بأنه استنسخه في مذكرته. فاستعرتها منه، وترجمت بالعربية منها ما كان بالفارسية. فإن من الشاكرين، وأشركني في دعواتك الصالحة وإياه.

<<  <  ج: ص:  >  >>