للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أَوْجَبَ عليه الشرعُ بنفسه، فما للقاضي أن لا يُلْحِقَ نسبه منه، فإنه رَضِيَ بالضرر، فأَوْلَى أن يَقْطَع عنه النظر.

وقد شَغَبَ الناسُ في تلك المسألة، ولم يَفْهَمُوا حقيقةَ الحال، وكيف يَجْلِبُون علينا مع أن إطلاقَ الحديث للحنفية؟ كما أقرَّ به النوويُّ. ولكنَّ الأسفَ أن الحنفيةَ إن أخذوا بظاهر الحديث، يُورَدُ عليهم بأنهم جَمَدُوا على الظاهر. وإن نَظَرُوا إلى المعنى، يُطْعَنُ عليهم بأنهم يَتْركُون ظاهرَ الحديث. والعجب من الشيخ محي الدين النوويّ رحمه الله تعالى حيث قال: إن مذهبَ الإِمام ضعيفٌ، ظاهرُ الفساد، ولا حُجَّةَ له في إطلاق الحديث، لأنه خرج على الغالب، وهو حصول الإِمكان عند العقد. اهـ. وأقضى العجب من قوله، كيف قال: إنه ظاهرُ الفساد، مع إقراره بكون ظاهر الحديث شاهدًا لنا. وأمَّا جوابه عنه، فذلك أمرٌ لا يَعْجِزُ عنه الفحولُ.

ومحصِّلُ الكلام: أن الولدَ لمَّا كان للفِرَاش، ولم تكن الوليدةُ ههنا فِرَاشًا لأحدٍ، لم يَثْبُتْ نَسَبُ ولدها من أحدٍ. وقال الشافعيةُ: إنها كانت فراشًا لزَمْعَةَ، فثبت نَسَبُهُ منه لقوله: «الولد للفراش».

ثم ههنا بحثٌ، وهو أنه هل يَجُوزُ تخصيص المورد عن عموم اللفظ؟ والذي يَظْهَرُ أنه لا ضابطةَ له، بل قد يُخَصَّصُ، وقد لا يُخَصَّصُ، حسب ما لَصِقَ بالمقام. فلا يُقَالُ: إن قوله صلى الله عليه وسلّم «الولد للفراش»، وَرَدَ في هذا الولد، فالمورد هو هذا الولد، ثم أنتم لا تُثْبِتُون نَسَبَهُ من أحدٍ ولا تَجْعَلُون الوليدةَ فراشًا لأحدٍ، فذلك تخصيصُ المورد من عموم اللفظ، مع أن الظاهرَ أن العمومَ إذا وَرَدَ في قصة يَتَنَاوَلُه لا مَحَالَةَ. فإنا قد قُلْنَا لك: إنه لا كُلِّية فيه، وغرضُ البخاريِّ من ذلك: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلّم أمر كلاًّ منهما ما كان بيِّنًا له، فإن الحلالَ بيِّنٌ والحرامَ بيِّنٌ، فجعله أخًا لعبد على إقراره، وأمر سَوْدَةَ بالاحتجاب لإِمكان عُلُوقه من عُتْبَة. فتنزَّه عنه، وذلك طريق استبراء الدين. وهل للقافة والشَبَهِ اعتبارًا أو لا؟ فاعتبره الشافعية شيئًا، وعندنا لا عِبْرَة بهما. والشَبَهُ وعدمه عندنا سواءٌ، وهكذا ينبغي.

٢٠٥٤ - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ أَخْبَرَنِى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِى السَّفَرِ عَنِ الشَّعْبِىِّ عَنْ عَدِىِّ بْنِ حَاتِمٍ - رضى الله عنه - قَالَ سَأَلْتُ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الْمِعْرَاضِ فَقَالَ «إِذَا أَصَابَ بِحَدِّهِ فَكُلْ، وَإِذَا أَصَابَ بِعَرْضِهِ فَلَا تَأْكُلْ، فَإِنَّهُ وَقِيذٌ». قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أُرْسِلُ كَلْبِى وَأُسَمِّى، فَأَجِدُ مَعَهُ عَلَى الصَّيْدِ كَلْبًا آخَرَ لَمْ أُسَمِّ عَلَيْهِ، وَلَا أَدْرِى أَيُّهُمَا أَخَذَ. قَالَ «لَا تَأْكُلْ، إِنَّمَا سَمَّيْتَ عَلَى كَلْبِكَ وَلَمْ تُسَمِّ عَلَى الآخَرِ». أطرافه ١٧٥، ٥٤٧٥، ٥٤٧٦، ٥٤٧٧، ٥٤٨٣، ٥٤٨٤، ٥٤٨٥، ٥٤٨٦، ٥٤٨٧، ٧٣٩٧ تحفة ٩٨٦٣ - ٧١/ ٣

٢٠٥٤ - قوله: (سَأَلْتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلّم عن المِعْرَاض) واعلم أن صيدَ البندقية حلالٌ عند المالكية، خلافًا للآخرين، لأن رصاصَ البندقية لا تَجْرَحُ، ولكنه يَجْرَحُ من شِدَّة الضرب، فيكون كالوَقِيذِ.

وقد فصَّلته في صورة رسالةٍ مستقلةٍ حين سألني عنه بعضُ الناس في المدينة المنورة، زادها الله شرفًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>