للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

زِيَادٌ أَنَّ ثَابِتًا مَوْلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - «مَنِ اشْتَرَى غَنَمًا مُصَرَّاةً فَاحْتَلَبَهَا، فَإِنْ رَضِيَهَا أَمْسَكَهَا، وَإِنْ سَخِطَهَا فَفِى حَلْبَتِهَا صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ». أطرافه ٢١٤٠، ٢١٤٨، ٢١٥٠، ٢١٦٠، ٢١٦٢، ٢٧٢٣، ٢٧٢٧، ٥١٤٤، ٥١٥٢، ٦٦٠١ - تحفة ١٢٢٢٧

قيل: أصل المُصَرَّاة مَصْرُورَة، كما أن أصل {دَسَّاهَا} [الشمس: ١٠] دسَّسها، فصارت - دسَّاها (١). والمصنِّفُ أيضًا توجَّه إلى بيان الاشتقاق. كما هو دَأْبُهُ.

واعلم أن التَّصْرِيَةَ عيبٌ عند الشافعيِّ، وأحمد، فجاز للمشتري أن يَرُدَّ به على البائع، إلا أنه يَرُدُّ معه صاعًا من تمرٍ، لحديث أبي هريرة. وقال أبو يوسف: يَرُدُّه، ويَرُدُّ معه قيمةَ اللبن، كائنةً ما كانت.

وقال أبو حنيفة، ومحمد: لا يَرُدُّه، لأن الحَلْب عَيْبٌ في الحيوان، والمبيعُ إذا كان مَعِيبًا، ثم حدث فيه عَيْبٌ آخر عند المشتري، امتنع رَدُّه، فليس له إلا الرُّجُوعَ بالنقصان. والحديثُ وَارِدٌ علينا، وأجاب عنه (٢) بعضُ الحنفية: إن الحديثَ إذا رَوَاه راوٍ غير فقيهٍ، وعَارَضَهِ


(١) قال الشيخُ: اختلف أهلُ العلم واللغة في تفسير المُصَرَّاة، ومن أين أخِذَت واشْتَقْت؟ فقال الشافعيُّ: التَّصْرِيَة أن تُرْبَطَ أَخْلَاف الناقة والشاة، وتُتْرَكَ من الحلب اليومين والثلاثة، حتى يَجْتَمِعَ لها لبنٌ، فيراه مشتَريها كثيرًا، ويزيد في ثمنها لِمَا يرى من كثرة لبنها. فإذا حَلَبَها بعد تلك الحَلْبة حَلْبَةً، أو اثنتين، عَرَفَ أن ذلك ليس بلبنها، وهذا غرورٌ للمشتري. وقال أبو عُبَيْد: المُصَرَّاة: الناقةُ، أو البقرةُ، أو الشاةُ التي قد صُرِّي اللبنُ في ضَرْعِهَا، يعني: حُقِنَ فيه، وجُمِعَ أيامًا، فلم يُحْلَبْ. وأصلُ التَّصْرِيَة: حبسُ الماء وجمعه، يقالُ منه: صرَّيْتُ الماءَ. ويُقَال: إنما سُمِّيَت مُصَرَّاة، كأنها مياه اجتمعت. قال أبو عُبَيْد: ولو كان من الربط لكان مَصْرُورَة، أو مُصَرَّرةً. قال الشيخ: كأنه يريد به ردًا على الشافعيِّ. قال الشيخُ: قول أبي عُبَيْد حسنٌ، وقولُ الشافعيِّ صحيح. والعربُ تَصُرُّ ضروعَ الحَلُوبات إذا أرسلتها تَسْرَحُ، وُيسَمُّون ذلك الرباط: صِرَارًا، فإذا رَاحَتْ حُلَّت تلك الأَصِرَّة، وحُلِبَتْ. ومن هذا حديث أبي سعيد الخُدْرِي، أن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -. قال: "لا يَحِلُّ لرجلٍ يُؤْمِنُ بالله واليوم الآخر أن يَحُلَّ صِرَار ناقةٍ بغير إذن صاحبها، فإنه خَاتِمُ أهلها عليها، ومن هذا قول عنترة:
العبدُ لا يُحْسِنُ الكَرَّ ... إنما يُحْسِنُ الحَلْبَ والصَرَّ
وقال مالك بن نُوَيْرَة: وكان بنو يَرْبُوع جمعوا صدقاتهم ليوَجِهُوا بها إلى أبي بكر، فمنعهم من ذلك، ورَدَّ على كل رجلٍ منهم صدقتهم، وقال: أنا جُنّةٌ لكم مما تَكرَهُون، وقال:
وقلتُ: خُذُوها هذه صَدَقَاتُكم ... مُصَرَّرَةٌ أَخْلَافها لم تُجَدَّد
سأجعل نفسي دون ما تجدونه ... وأرهنكم يومًا بما قلته يدي
قال الشيخُ، وقد يَحْتَمِلُ أن يكونَ المصَرَّاةُ أصله المَصْرُورَة، أبدل إحدى الرَّاءين ياءً، كقولهم: تقضى البازي.
وأصله تفضض كَرِهُوا اجتماع ثلاثة أحرف من جنسٍ واحدٍ في كلمةٍ واحدةٍ، فأَبدَلُوا حرفًا منها بحرفٍ آخرَ ليس من جنسها، قال العجاج:

تقضى البازي إذا البازي كسر
ومن هذا الباب قول الله تعالى: {وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (١٠)} [الشمس: ١٠]، أي أَخمَلَهَا بمنع الخير، وأصله من دسَّسها. ومثلُ هذا في الكلام كثيرٌ - "خطَّابي".
(٢) قال ابن العربي: قال أصحابُ أبي حنيفة: هذا الحديثُ لا حُجَّةَ فيه، لأنه يُخَالِفُ الأصولَ في ثمانية أوجه: الأولى: أنه أوْجَبَ الردَّ من غير عَيْبٍ ولا شرطٍ. الثاني: أنه قدَّر الخِيَار بثلاثة أيام، والثالث حُكمًا لا يتقدَّر بمدةٍ، إنما يتقدَّر الثالث بالشرط. قلتُ: ولعلَّ لفظَ الثالث سهوٌ من الكاتب في المَوْضِعَيْن. الثالثُ: أنه أوْجَبَ =

<<  <  ج: ص:  >  >>