للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

هذا الذي أردنا إلقاءه عليك من تفسير العَرَايا، وما يتعلَّق بها، والآن نشرح ألفاظ الترجمة.

قوله: (وقال ابنُ إدْرِيس) المراد منه الشافعي.

قوله: (العَرِيَّةُ لا تكونُ إلا بالكَيْل من التمر، يَدًا بيدٍ، ولا تكُون بالجِزَاف)، يعني به أن التمر يُعْطَى للمُعْري، ويكون مَقْبُوضًا. أمَّا الثمارُ، فلا سبيلَ فيها إلا بالتَّخْلِيةَ.

قوله: (بالأَوْسُق المُوَسَّقَةِ) ... إلخ، وهو كقوله: {وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ} [آل عمران: ١٤]، ففيه معنى التأكيد. ومُقْتَضَى اللفظ كونه معاملةً من الطرفين، نحو كون الكَيْلِ من طرفٍ، والخَرْصُ من طرفٍ آخر، فحصلت التقوية، كما أراده المصنِّف.

قوله: (العَرَايا نخلٌ) ... إلخ، والمراد به ثمار النخل.

٢١٩٢ - قوله: (رخَّصَ في العَرَايا أن تُبَاع بِخَرْصِها كَيْلا)، والبائعَ عند الشافعيِّ: هو صاحبُ النخل المُعْرِي. وعند أبي حنيفة، ومالك: المُعْرَى له، غير أن بيعَه للمُعْرِي بيعٌ حقيقةً عند مالك، ومبادلةٌ، واستبدالٌ فقط عند أبي حنيفة. فيكون بيعًا صورةً لا غير، على ما عَلِمْتَ تفصيله. وقد مرَّ أيضًا: أن الباء في قوله: «بِخَرْصِها» للتصوير عندنا، والبدلُ غير مذكورٍ، فيمكن أن يكونَ الدراهمَ والدنانيرَ، كما يُؤَيِّدُه ما عند النَّسائي. وهي عند الشافعيِّ للبدل، فيكون المَخْرُوصُ عِوَضًا، وبَدَلا. وقد ذكرنا شيئًا يتعلَّق به في آخر كتاب المساقاة إيضًا، فراجعه (١).


= أبي داود مرفوعًا: "أمرنا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: إذا خَرَصتُم فَجُذُّوا ودعوا الثُّلث، فإن لم تدعوا أو تَجُذُّوا الثُّلث، فدعوا الربع". اهـ.
قال الخطَّابيُّ: قيل: اتركوا لهم ذلك ليتصدَّقوا منه على جيرانهم، ومن يَطلُبُ منهم. لا أنه لا زكاةَ عليهم في ذلك. اهـ. فإذا جَازَ استثناء الثلث، والربع الذي قد يزيد على خمسة أَوْسُق بمراتب، فالخمسة أَوْسُق لا تُستَثنَى في باب الزكاة لعين تلك العلَّة. والله تعالى أعلم.
(١) قلتُ: وأحسنُ ممَّن رأيتُ قرَّر مسألة العَرِيَّة، ونبَّه على الفروق بين المذاهب مع بيان عُمْدَةِ كلٍّ، هو أبو الوليد محمد بن أحمد بن رشد القُرْطبي في "بداية المجتهد": اختلف الفقهاءُ في معنى العَرِيَّة، والرُّخْصَة التي أتت فيها في السُّنة. فحكى القاضي أبو محمد عبد الوهاب المالكي: أن العَرِيَّة في مذهب مالك هي: أن يَهَبَ الرجلُ ثمرةَ نخلةٍ، أو نَخَلات من حائطه لرجلٍ بعينه. فيجوز للمُعْرِي شراءها من المُعْرَى له بِخَرْصِها تمرًا على شروط أربعة:
أحدها: أن تُزْهى. والثاني أن تكونَ خمسة أوسُق فما دون، فإن زادت فلا يجوز. والثالث: أن يعطيه التمر الذي يشتريها به عند الجُذَاذ، فإن أعطاه نقدًا لم يَجُزْ. والرابع أن يكونَ التمر من صنفِ ثمر العَرِيَّة ونوعها.
فعلى مذهب مالك: الرُّخْصَة في العَرِيَّة إنما هي في حقِّ المُعْرِي فقط. والرخصة فيها إنما هي استثناءها من المُزَابنة -وهي بيعُ الرُطَب بالتمرِ الجافِّ الذي وَرَدَ النهيُ عنه- ومن صنفي الرِّبا أيضًا -أعني التفاضل والنَّسأ- وذلك أن بيعَ ثمرٍ معلومٍ الكَيْلِ بثمرٍ معلومٍ بالتخمين، وهو الخَرْصُ، فَيَدْخُلُه بيع الجنس الواحد متفاضلًا، وهو أيضًا ثمرٌ بثمرٍ إلى أجلٍ. فهذا هو مذهب مالك، فيما هي العَرِيَّة؟ وما هي الرخصة فيها؟ ولمن الرخصة فيها؟.
وأمَّا الشافعيُّ، فمعنى الرخصة الواردة عنده فيها ليست للمُعْرِي خاصةً، وإنما هي لكلِّ أحدٍ من الناس أراد أن يشتري هذا القدر من الثمر، أعني الخمسة أَوْسُق، أو ما دون ذلك بتمرٍ مثلها. وروى: أن الرُّخصَة فيها إنما هي =

<<  <  ج: ص:  >  >>