للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٢٢٢٢ - قوله: (حَكَمًا)، أي لا يكون نبيًّا، ثم إنه يكون حَكَمًا بين اليهود والنصارى. أمَّا اليهودُ فيقتلهم، وأمَّا النصارى فَيُؤمِنُونَ به.

قوله: (مُقْسِطًا)، أي من يزيل الجَوْر.

قوله: (فيَكْسِرَ الصَّلِيبَ)، لأنه رَاجَ الصليبُ باسمه.

قوله: (يَقْتُلَ الخِنْزِيرَ)، لأنه استحلَّه النصارى، مع أنه حرامٌ في شرعنا، وكذا في شرع عيسى عليه الصلاة والسلام أيضًا. وما في بعض كُتُبِنَا أنه كان حلالا فيهم، فليس بصحيحٍ. بل الأصلُ أنه حَرُمَ عليهم كل ذي ظُفُرٍ، كما في نصِّ القرآن. فاختلفوا في تأويله، فظنَّ النصارى أن الخنزيرَ ليس منه، فجعلوه حلالا من اجتهادهم الفاسد، لا أنه كان حلالا في شرعهم.

قوله: (يَضَعَ الجِزْيَةَ)، وهذا تشريعٌ من النبيِّ صلى الله عليه وسلّم لزمنه: أن لا يكونَ فيه إلا الإِسلام، أو السيف، فلا يَلْزَمُ النسخ. ثم الدنيا لمَّا كانت في زمنه على شرف الزوال، نَاسَبَ أن تَسْقُطَ الجِزْيَةُ، ولا يبقى إلا الإِسلام، أو السيف. ومن ههنا تبيَّن الحكمة في نزول عيسى عليه الصلاة والسلام، ووظائفه التي يَنْزِلُ لها.

وحاصلُه: أنه لا يَنْزِلُ بوظائف النبوة، ولا يَلْزَمُهُ سلب النبوة عنه، فإنه كان رسولا إلى بني إسرائيل بالنصِّ. ونزولُهُ فينا، كدخول يعقوب عليه الصلاة والسلام مصر في نبوة يوسف عليه السلام. وأمَّا لعين القاديان الشقي المتنبِّىء الكاذب، فلم يُوجَدْ فيه شيءٌ من ذلك، لم يَحْكُمْ بين اليهود والنصارى بشيءٍ، بل أَكْفَرَ المسلمين، وأَعَانَ الصليبَ، وجمع المالَ حتى ذاق طينة الخَبَال، فكيف يدَّعي أنه عيسى؟!.

ثم اعلم أن الحديثَ لم يُخْبِرْ بأن الإِسلامَ يُحِيطُ في زمنه على البسيطة كلِّها، كيف ولا يُدْرَى أنه يَمْزِلُ بكلِّ بلدٍ. ولكنه - والله تعالى أعلم - يَشِيعُ الإِسلامُ حيث يكون عليه الصلاة والسلام. فما أَخْبَرَ به الحديث إنما هو شيوع الإِسلام بموضع نزوله وتَطْوَافِهِ، وأمَّا في غير ذلك، فالله أعلم بحاله، ما يكون فيه. لا أقول: إن الإِسلامَ لا يكون في جميع الأرض، ولكن أقول: إن الأحاديثَ لم تَرِدْ به. فذا أمرٌ تحت أستار الغيب بعدُ، فجاز أن لا يبقى في الأرض كلِّها إلا الإِسلام، وجاز أن تَكونَ تلك الغلبة الموعودة بمكان نزوله وحَوَالَيْهِ فقط.

أمَّا مُكْثُهُ عليه الصلاة والسلام بعد النزول، فالصوابُ عندي فيه أربعون سنةً، كما عند أبي داود: «فيَمْكُثُ في الأرض أربعين سنةً، ثم يتوفَّى، فيصلِّي عليه المسلمون». اهـ. وأمَّا ما تُوهِمُهُ رواية مسلم: «أنه يَمْكُثُ في الأرض سبع سنين»، فهو مدَّة مُكْثِهِ مع الإِمام المهدي، كما عند أبي داود: «وبعد تمام سبع سنين يتوفّى الإِمام، ويَبْقَى عيسى عليه الصلاة والسلام بعد ذلك ثلاثًا وثلاثين سنةً».

وأمَّا رَفْعُهُ، فكان على ثمانين سنة، وصحَّحه الحافظ في «الإِصابة»، وهو الذي رجع إليه السيوطي في «مرقاة الصعود».

وأمَّا مجموع عمره عليه الصلاة والسلام فمئةٌ وعشرون، نُبِّىءَ على أربعين منها، ورُفِعَ

<<  <  ج: ص:  >  >>