للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أي الوَكَالَةُ صحيحةٌ، سواء كان الوكيلُ شَاهِدًا أو غَائِبًا.

٢٣٠٥ - قوله: (فَطَلَبُوا سِنَّهُ، فلم يَجِدُوا له إلا سِنًّا فَوْقَهَا، فقال: أَعْطُوه) ... إلخ، واعلم أن استقراضَ الحيوانِ بالحيوانِ جائزٌ عند الشافعية. وأَنْكَرَهُ (١) الحنفيةُ، وقالوا: إن الاستقراضَ لا يَصِحُّ إلا في المِثْلِيَّات (٢)، فلا تكون ثابتةً في الذمة، ويَجِبُ كونها مشارًا إليه عند العقد، فلا تَصْلُحُ لوجوبها في الذمة. وأَجَابُوا عن حديث الباب (٣): أنه لم يكن فيه استقراضٌ، بل كان النبيُّ صلى الله عليه وسلّم اشترى منه بثمنٍ مُؤَجَّلٍ، فلمَّا حَلَّ الأجلُ، وأراد أن يُؤَدِّيَ إليه ثمنه، اشترى له بعيرًا آخر من ثمنه، وردَّه إليه. فعادت صورتُه صورةَ استقراضِ الحيوانِ بالحيوانِ، فهو استقراضٌ صورةً، وبيعٌ مُؤَجَّلٌ معنىً. ولمَّا لم يَكُنْ في الحِسِّ إلا مُبَادلة البعير بالبعير، حَذَفَ الراوي البيعَ المتوسِّطَ، وعبَّر عنه بما كان عنده في الحِسِّ.

وذلك من ديدن الرواة، أنهم لا يُرَاعُون تخاريجَ الفقهاء، وأنظارَ العلماء، وإنما هم بصدد نقل القصة على ما وقعت في الخارج، ولا يكون لهم عن أبحاثهم غرضٌ. وهو مَلْحَظُهم في صلاة الكسوف: أنها كانت للنبيِّ صلى الله عليه وسلّم أربعًا، وللقوم ركعتين ركعتين. وقد مرَّ جوابُهُ في العَرَايا.

وإنما حَمَلْنَاهُ على هذا التأويل، لأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلّم «نهى عن بيع الحيوانِ بالحيوانِ نَسِيئَةً. وهذا وإن كان في البيع، لكن الاستقراضَ مثلُه لا تحاد العِلَّةِ. فإن في الاستقراض أيضًا وجوبًا


(١) وفي "الاستذكار" وممن منع استقراضَ الحيوان، والسَّلَم فيه: عبْدُ الله بن مسعود، وحُذَيْفَةُ، وعبدُ الرحمن بن سَمُرَة، وأبو حنيفة وأصحابُه، والثوريُّ، والحسنُ بن صالح، وسائرُ الكوفيين. وحُجَّتُهم: أن الحيوانَ لا يوقف على حقيقة صفته. وادَّعُوا نسخَ حديث أبي هُرَيْرَة، وأبي رافعٍ بحديث ابن عمر: "أنه عليه الصلاة والسلام قَضَى فِيمَنْ أعْتَقَ نصف عبدٍ مُشْتَركٍ بقيمة نصف شريكه"، ولم يُوجِب عليه نصف عبدٍ. وعن يحيى بن سعيد: "قلتُ لربيعة: حدَّثني أهلُ أَنْطَابُلُس: أن خيرَ بن نُعَيم كان يقضي عندهم بأنه لا يَجُوز السَّلَفُ في الحيوان، وقد كان يُجَالِسُكَ، ولا أحْسَبُهُ قضى به إلَّا عن رأيك، فقال ربيعة: قد كان ابن مسعود يقول ذلك. اهـ. "الجوهر النقي".
(٢) ولا يَجُوزُ الاستقراضُ إلَّا مما له مِثْلٌ، كالمَكِيلَات، والمَوْزُونَات، والعَدَدِيَّات المتقاربة. فلا يَجُوزُ قرضُ ما لا مِثْلَ له من المَوْزُوعات -والصواب والمَزْرُوعَات- والعَدَدِيَّات المتفاوتة، لأنه لا سبيل إلى إيجاب ردِّ العين، ولا إلى إيجاب القيمة، لاختلاف تقويم المقوِّمين. فتعيَّن أن يكونَ الواجبُ فيه رَدَّ المِثْلِ، فيختصُّ جوازُه بما له مِثْلٌ.
وعن هذا قال أبو حنيفة، وأبو يوسف: لا يَجُوزُ القرضُ في الخبز لا وزنًا، ولا عددًا. وقال محمد: يَجُوزُ عَدَدًا. اهـ. عيني.
(٣) وقال الطحاويُّ بعد أن رواه: ثم نُسِخَ ذلك بآية الرِّبا. وبيانُ ذلك أن آيةَ الرِّبا تُحَرِّمُ كل فَضْلٍ خالٍ عن العِوَضِ.
ففي بيع الحيوان بالحيوان نسيئةً يُوجَدُ المعنى الذي حَرُمَ به الرِّبا، فَنُسِخَ كما نسخ بآية الرِّبا استقراضُ الحيوان، لأن النصَّ المُوجِبَ للحظر يكون متأخِّرًا عن المُوجِبِ للإِباحة. ومثل هذا النسخ يكونُ بدلالة التاريخ. فَيَنْدَفِعُ بهذا قول النوويِّ، وأمثاله: إن النسخَ لا يكون إلا بمعرفة التاريخ. اهـ: عيني.
قلتُ: وهذا الجوابُ وإن كان مشهورًا فيما بين القوم، بَيْدَ أني اعْتَنَيْتُ بنقله لِمَا نبَّه عليه الشيخُ العيني في الجواب عن الشيخ النوويِّ، فإنه يُفِيدُ في مواضع إن شاء الله تعالى.

<<  <  ج: ص:  >  >>