للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بالتفليس عندنا في القضاء. وهو الإِعلانُ بإِفلاسِ رَجُل، وذلك لأنَّ المال غادٍ ورائحٌ، فيمكن أن يَحْصُل له مالٌ عقيب الحكم بالإِفلاس، ثُمّ الحَجْر اسمٌ لإِبطال التصرُّفاتِ القَوْلية، أما الفِعْلية (١) فلا سبيلَ إلى إبطالِها.

٣ - باب أَدَاءِ الدُّيُونِ

وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا (٥٨)} [النساء: ٥٨].

٢٣٨٨ - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا أَبُو شِهَابٍ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ عَنْ أَبِى ذَرٍّ - رضى الله عنه - قَالَ كُنْتُ مَعَ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - فَلَمَّا أَبْصَرَ - يَعْنِى أُحُدًا - قَالَ «مَا أُحِبُّ أَنَّهُ يُحَوَّلُ لِى ذَهَبًا يَمْكُثُ عِنْدِى مِنْهُ دِينَارٌ فَوْقَ ثَلَاثٍ، إِلَاّ دِينَارًا أُرْصِدُهُ لِدَيْنٍ». ثُمَّ قَالَ «إِنَّ الأَكْثَرِينَ هُمُ الأَقَلُّونَ، إِلَاّ مَنْ قَالَ بِالْمَالِ هَكَذَا وَهَكَذَا». وَأَشَارَ أَبُو شِهَابٍ بَيْنَ يَدَيْهِ وَعَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ - وَقَلِيلٌ مَا هُمْ - وَقَالَ مَكَانَكَ. وَتَقَدَّمَ غَيْرَ بَعِيدٍ، فَسَمِعْتُ صَوْتًا، فَأَرَدْتُ أَنْ آتِيَهُ، ثُمَّ ذَكَرْتُ قَوْلَهُ مَكَانَكَ حَتَّى آتِيَكَ، فَلَمَّا جَاءَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، الَّذِى سَمِعْتُ أَوْ قَالَ الصَّوْتُ الَّذِى سَمِعْتُ قَالَ «وَهَلْ سَمِعْتَ». قُلْتُ نَعَمْ. قَالَ «أَتَانِى جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَقَالَ مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِكَ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ». قُلْتُ وَإِنْ فَعَلَ كَذَا وَكَذَا قَالَ «نَعَمْ». أطرافه ١٢٣٧، ١٤٠٨، ٣٢٢٢، ٥٨٢٧، ٦٢٦٨، ٦٤٤٣، ٦٤٤٤، ٧٤٨٧ تحفة ١١٩١٥


= {وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ} [البقرة: ١٣٠] قال أبو عبيد: {سَفِهَ نَفْسَهُ} أَهلَكَها، وأَوبَقها، وقد يكونُ حازِمًا في ماله، ضابطًا له من غير صلاح في دِينه. قال الكسائي: السَّفيه الذي يَعْرِف الحقَّ، وينحرف عنه عنادًا، قال تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ} [البقرة: ١٣] لأنَّهم عَرَفوا الحق وعندوا عنه، فالسَّفَه في الآية ليس على سَفَه الفساد في المال، بل على ماسِواه من وجوه السَّفَهِ، واحتجَّ الشافعيُّ في إثبات الحجر بهذه الآية أيضًا استدلالًا بقوله: {فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ} - وليس بصحيح لأن ما في أول الآية من مِن مداينة مَن وُصِف في آخِرها بالسَّفه، يدفعُ ما قال. والمراد بالوليِّ وليُّ الدين للذي عليه الدَّين، بدليل قوله تعالى: {وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا} [البقرة: ٢٨٢] لأن الذي يتولى عليه لا يَجْرِ إلى نَفْسه بِبَخسِه شيئًا. غير أنَّ المذهبَ في الحَجْر استعمالُه، والحكم به حِفْظًا للمال على مَنْ يَملِكُه، ولهذا قال أبو حنيفة: إني أمْنَعه بعد بُلُوغِه من ماله إلى خمسٍ وعشرين سنةً، ولا أرى دافِعًا له، ثم مَنْ يستحقُّ الحَجْر عليه إنْ تصرَّف، فهو جائزٌ عند أبي يوسُف، خلافًا لمحمد، لأنَّ الحَجْر لمعنىً مِن أجله يَحْجُرُ الحاكِمُ عليه، تحقيقًا لذلك الموجودِ قبل الحَجْر، ورُوي عن مالك مِثْلُ قولِ أبي يوسُف في نفاذ التصرُّف، قبل الحُكم بالحَجْر.
(١) والسر في ذلك كما في كُتُب الفِقْه أن أثَر التصرف القولي لا يوجد في الخارج، بل أَمْرُ يَعْتبره الشَّرعْ، كالبيع ونحوه، فإذا لم يوجد في الخارج، جاز أن يُعتبر عَدَمُه، بخلاف التصرُّف الفِعلي الصَّادر عن الجوارح، فإِنه لما كان موجودًا خارجًا لم يَجز اعتبار عدمه، كالقتل وإتلاف المال. ثُم الفقهاءُ، قسموا الأفعالَ والأقوالَ باعتبار ما يجري فيه الحَجْر، وما لا يجري فيه ذلك فليراجع في المبسوطات.

<<  <  ج: ص:  >  >>