للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أن ما في الحديث مسألة الديانة دون القضاء. ويجب على المشتري ديانةً أن يبادِرَ بسلعته فيردّها إلى البائعِ قَبل أن يرفَعَ أَمرَه إلى القضاء، فَيُحْكَم بالأُسوة.

بقي أن حقَّ البائعِ بسلعته هل يبقى بعد قبضِ المشتري، أم لا؟ فقد مرّ معنا نظيرُه، فيما إذا فَرَسٌ لأحدٍ إلى دار الحرب، فاستولي عليها المسلمون: أنّ مالكها أحق بها قبل القِسمة، وبعدها بالثمن، فدلَّ على بقاءِ حَقَّه شيئًا. فهكذا فيما نحن فيه يكون البائعُ أحقَّ به ديانة لبقاء حَقَّه في الجملة، وإن انقطع عنه في الحُكْم. وأما إذا لم يَقْبِضُه المشتري فالبائعُ أحقُّ به عندنا أيضًا، كما علمت. وبحث في «الهداية» أنَّ المبيع قبل القَبْضِ هل يَثْبُت عليه مِلكُ المشتري أو يثبت حَقُّه فقط؟

قوله: (وقال الحَسَن) ... الخ. ولا يجري هذا إلا على مذهب الصاحبين، فإِنَّ للتفليس أحكامًا عندهما، وأما عند الإِمام الأعظم فلا حُكْم له، كما عَلِمت. وراجع المسألة في «كتاب الحَجْر».

قوله: (وقال سَعِيد بن المسيَّب) ... الخ، وهذا يأتي على فِقْهنا أيضًا.

٢٤٠٢ - قوله: (في إسنادِ الحديث الآتي: (أخبرني أبو بَكْر بن محمد بن عَمْرو بن حَزْم) ... الخ. هذا هو الذي ورد في إسناد حديث الحنفية في نصاب الزكاة.


= فهي له، وإن كان قضاه من ثمنها شيئًا، فما بقي فهو أسوةُ الغرماء" ولا نرى فيه علينا حُجة، لفساد رواية إسماعيل عن غير الشاميين. ولكنَّ حديث مالك مسندًا من رواية عبد الرزاق عنه عن ابن شهاب عن أبي بكر عن أبي هريرة وكذا حديث إسماعيل بن عَيَّاش عن الشاميين الذي لا كلام فيه في حديثه عنهم لا يمكن دَفْعُه والقول فيه ما قال مالك. ولو اتصل عند مَن خالفه هذا الاتصال لما خالفه، ولرجع إليه، فالمخالِف معذورٌ في خلافه، وأما الشافعي فقد كان يقول: إذا أفلس بعد ما قضى بَعْض الثَّمن أنَّه يكون في حِصة ما قضاه أسوة الغُرماء، ويكون أحقٌ بالباقي منهم، والحديث يدفع ذلك، وهو الحجة وكذلك كان يسوي بين حكم إفلاسه، وبين حكم موته، فيجعلُ صاحب السِّلعة فيهما أحق من الغرماه. والحال أن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فَرَّق بينهما في الحُكم، كان يحتج بحديث أبي المغيرة بن عمرو بن نافع عن ابن خَلْدَة الزرقي -وكان قاضيًا- أنه قال: جئنا أبا هريرةَ في صاحب لنا أفلس، فقال: "أيُّما رَجُلٍ مات، أو أفلس، فصاحبُ المتاع أحقُّ بمتاعه". وأبو المغيرةَ مجهولٌ، مع أنه لو كان ثابتًا لكان حديثُ الزُهري عن أبي بكر عن أبي هريرةَ أولى منه، لأنه قد رواه الأئمة الذين تقوم الحُجة برواياتهم، مع أن فيه "أو" التي للتشكيك، فيعود الحديث إلى أن لا يُعلم ما فيه، هل هو في التفليس، أو في الموت وقال الطحاوي: وما وجدنا أحدًا من أهل العلم أَحَد تكلُّمًا في هذا الحديث غيرَ مالك بن أَنس، فأما مَنْ سواه فقد ذكرنا أقوالهم. اهـ.
وقال الشيخ العَيني: وصحَّ عن عمرَ بن عبد العزيز أنَّ من اقْتضى مِن ثمنِ سلعته شيئًا ثُم أَفلَس، فهو والغرماء فيه سواء. وهو قول الزُّهري، ورُوي عن عليِّ بن أبي طالب نحو ما ذهب إليه هؤلاء. ورُوي عنه أنه أُسوةِ الغرماءِ إذا وجدها بعينها، وصحَّحه ابن حزم، اهـ بتغيير وقد بسط الشَيخ في الكلام على الحديث جدًا، فراجِعْه، قال العلامة المارديني: وفي "الاستذكار" قال النَّخَعي، وأبو حنيفة وأهلُ الكوفة: هو أسوةُ الغُرماءِ على كل حال. ورُوي ذلك عن خِلاس عن عليِّ. وقد ذكرنا قريبًا عن ابن حزم أنه صحح روايته عنه. وحكى الخَطابي هذا القول عن ابن شُبْرُمةَ أيضًا. "الجَوْهر النَّقي".
قلت: وذكر العلامةُ في المقام أشياءَ لم يذكُرْها الشيخ العيني، فراجعها، وليس البَسطُ من موضوعنا، والله تعالى أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>