للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

السَّاعَةُ؟ فَمَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُحَدِّثُ، فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ سَمِعَ مَا قَالَ، فَكَرِهَ مَا قَالَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ بَلْ لَمْ يَسْمَعْ، حَتَّى إِذَا قَضَى حَدِيثَهُ قَالَ «أَيْنَ - أُرَاهُ - السَّائِلُ عَنِ السَّاعَةِ». قَالَ هَا أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ «فَإِذَا ضُيِّعَتِ الأَمَانَةُ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ». قَالَ كَيْفَ إِضَاعَتُهَا قَالَ «إِذَا وُسِّدَ الأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ». طرفه ٦٤٩٦ - تحفة ١٤٢٣٣ - ٢٣/ ١

٥٩ - قوله: (فإذا ضُيِّعَتِ الأمانة) ومعنى الضياع: أن لا يبقى اعتمادٌ لأحد على أحد، لا في الدِّين ولا في الدنيا. وقد مرَّ مني أن الأمانة صفةٌ متقدمة على الإيمان، فيجيء أولًا لون الأمانة ثم يجيء عليه لون الإيمان. ولذا اشتق منها الإيمان. وفي الحديث تأديب للسائل بأن السؤال ينبغي أن يكونَ بعد الفراغ لا عند الاشتغال. ومَنْ سُئِل عند الاشتغال يَسَعُ له أن لا يقطع كلامه ويَمضي فيه. وفيه ترغيبٌ للمجيب أن يُجيبَ بعد فراغه إن شاء، وفيه إجازةٌ لتحقيق السؤال إذا لم يفهمه.

قوله: (إذا وُسِّد الأمرُ إلى غير أهله ... ) وفي ذلك حكايات عن الأئمة والمحدثين.

فنُقِلَ عن الشافعي رحمه الله أنه لم يكن في سَعَةٍ من ذات يده، وكان الناسُ يُهدون إليه تحائف، إلا أنه لم يكن يُمْسِكُهَا، وكان يُنفقها على الفور، وكان يعيش في عُسرةٍ وتلميذه ابن عبد الحكم كان صاحب الضَّيْعَة والنخيل، فكان يَخْدُمه كثيرًا.

واتفق أن الإمام الشافعي رحمه الله رحل إليه مرة فأمر الطبّاخ أن يهيىء له أنواعًا من الطعام، وكتب أسماءها، فأضاف عليها الشافعي رحمه الله طعامًا آخرَ وكتب بيده، فلما علمه ابن عبد الحكم أعتق عبده من شدة الفرح. فلما كان الشافعي رحمه الله ابن أربع وخمسين، وسمع نداء الرحيل، استفتاه الناس: مَنْ يجلس إليهم بعدَه؟ ومَنْ يتولّى التدريس؟ فجاء ابن عبد الحكم أمامه يرجو أن يُعَيِّن الإمام إياه، إلا أن الإمام الشافعي رحمه الله وَسَّد الأمر إلى أهله وقال: إنّ صاحب الحلقة بعدي يكون إسماعيل بن يحيى المُزَني خال الطحاوي، ولم يُبَالِ بما صنع إليه ابن عبد الحكم من المعروف مُدَّةَ حياته.

وهكذا الشيخ ابن الهُمَام رحمه الله، وكان صاحب طريقة لم يؤجِّرْ نفسه للتعليم مدة عمره، وكان متوليًا للخانقاه إذ ذاك، وكان يدرّس فيه لوجه الله. وكان يأخذ منه بالمعروف غير مُتَأَثِّلٍ مالًا. وكان مَلِكُ مصر من أكبر معتقديه متى تَعْرُو له حادثة سُئِل عنها، مع كون الحافظ ابن حجر رحمه الله والعينيّ رحمه الله موجودَيْن في زمانه أيضًا، فلما دنت وفاته سأل الناسُ عمن يجلس مجلسه بعده؟ قال: العلاّمة القاسم بن قُطْلُوبُغَا، وإنما انتخبه من بين سائر تلامذته؛ لأنه مع كونه عالمًا كان أورعهم وأتقاهم، ومن أدلة تقواه وورعه: أن علماء المذاهب الأربعة رحلوا لتأييده في مناظرة انعقدت بينه وبين الشيخ عبد البَرِّ بن الشِّحْنَة تلميذ ابن الهُمَام رحمه الله بين حضرة الملك. وبالجملة لما كان العلامة القاسم أهلًا عنده وسَّد إليه الدرس بعده.

<<  <  ج: ص:  >  >>