للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ههنا، وكذلك الفَرْق بينه وبين النهد، فإِنَّ الحقَّ في الغنيمةِ يكونُ الثالث، وهو غائبٌ، بخلاف النهد، فإِنَّ الخَلْط والشُّيوعَ جاء من قبل الشريكين بِطَوْعهما ورَغْبتهما، وبأَعْيُنِهما، وقد علما أن الفاضُلَ في الأَكْل لا بدَّ منه، فَتُحْمَل فيه لذلك، فافترقا.

ثم إنَّ المصنِّف ترجم في «الذبائح» أنَّ مَنْ ذبح الشيءَ المُشْتَرَكَ لا يجوزُ أَكْلُه. وكذا عند أبي داود أَنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلّم دُعي إلى طعامٍ، فأخذ لُقْمةً منه، وقال: إني أرى لحمًا ذُبح بغيرِ إذْن أَهْله، وأَمَر أن يُتَصَدَّق به عن الأُسَارَى؛ وهو عند الدارقطني أيضًا من آخِره، ومن هذا الحديث استنبط الإِمام الأعظم أنَّ سبيلَ المالِ الحرامِ هو التصدُّقُ، وفي القرآن {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: ٢٨٣] فذكَر القَبْض، أما إنه في أَيَّ مَرْتبةِ، فلينظره الفقهاء، وثبت من هذه الجزئياتِ ما رامه الحنفيةُ من ضرورةِ القبْض، وأن الشُّيوعَ يَضُرُّه.

ثم المشهورُ عند الفقهاء أنَّ الشهاةَ إنْ ذُبحت بغيرِ إذْن أَصْلها صارت ميتةً، وعندي هي مُذكْاةٌ، لأنَّ الحُرْمة لمعنىَّ في غيرها، ونحوه ما في «الدار المختار»: مَنْ وَجَد شاةً مذبوحةً في الصَّحْراء، ولم يَدْر مَن ذبحها، ومالِكَها، ولا يَحِل له أَكْلُها، ونقله عن ثِقةٍ لم يذكر اسمه، وعندي أنها ذكيةٌ لا بأسَ بأكْلِها.

ثم اعلم أَنَّ في الفِقْه بابًا يُسمى بالتبرُّع، ولا يوجدُ مُتميِّزًا عن باب الهبة، إلا أنه يُذْكر في ضِمْن المسائل، فليُنَقَّح الفَرْقُ بين البابين، لاختلاف أحكامِهما، ففي «القنية»: المُتبرِّع لا يَرْجِعُ فيما تَبَرَّع به، فبابُ الرُّجوع لا يمشي في التبرُّعات، بخلاف الهِبة.

٢٦٠٢ - قوله: (إن أَذِنت أعطيتُ هؤلاء) واستنبط مِنْه المُصَنِّف أنه كان هِبةَ المُشَاع؛ قلت: بل هو مِنْ باب الإِباحة دون الهِبة، وبينهما فرقٌ، أوضحه شارح «الوِقاية» في كتاب العارِيَّة والتيمم.

قوله: (ما كُنْتُ لأُوثِر) ... الخ؛ حُكي (١) أنَّ الرشيدَ أَهْدَي إلى أبي يوسف، وكان في مجلِس، فقيل له: إنَّ الهدايا مُشْتركة؛ فقال له أبو يوسف: هذا فيما هُيِّأَ للأكل، وأما في غيره فلا، قلت: وفي المهيأ للأكل أيضًا تفصيل، فإِنه يُنظر في قَدْره، وعُرْف الناس فيه، ثُم ذكر الغزاليُّ قصة وليَ أهدى إليه في مِثْله، فقيل له، كما قِيل لأبي يوسف، فأعطاه كلَّها، وقال: لا نحبُ الاشتراكَ؛ واستحسنه الغزاليُّ؛ قلت: بل ما فعله أبو يوسف هو الأحسن، فإِنه قد علمنا به مسألةً من مسائل الدين، وأما الأولياء فيختارون جانِبًا يرونه أوْلى لأنْفُسهم، ويهدِرُون جوانبًا،


(١) حكى علي القارىء أنه وقع لبعض المشايخ أنه أتى بهدية عظيمة من دنانير ودراهم جسيمة، وكان عنده فقير مسافر، فقال: يا مولانا الهدايا مشتركة. فقال الشيخ بلسانه: (أماتنها خوشترك) أي الانفراد أحسن، فظن الفقير أنه يريد الانفراد بنفسه، فتغير حاله، فقال الشيخ: (لك تنها خوشترك)، فشرع في أخذه، فعجز عن حمله وحده، فأشار الشيخ إلى بعض أصحابه بمعاونته، ومن اللطائف أن الإِمام أتى بهدية من النقود، فقيل له: الهدايا مشتركة، فقال: اللام للعهد، أي الهدايا من الرطب والزبيب، وأمثالهما، فانظر الفرق بين علماء الظاهر، والباطن، اهـ. "جمع الوسائل" ص ٦٨ - ج ١.

<<  <  ج: ص:  >  >>