للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قوله: (ولا يُحْلَفّ بغير الله) ورأيتُ في «شرح الجامع الكبير» عن علي بن بَلْبَان الفارسي: أن الحَلِف لغةً يُطْلق على الحَلِف بالطلاق أيضًا. وإذن لم يبق اصطلاحًا مجردًا. وعندنا لا يَحْلِف المُدَّعي عليه بالطلاق في أصل المذهب، وأفتى به المتأخرون لفساد الزمان. فإِنَّهم لا يبالون بأسماء الله تعالى؛ ومع هذا لو نكل المُدَّعي عليه أن يَحْلِف به لا يُجْبر عليه، ولا يثبت به دَعْوى المُدَّعي.

٢٧ - باب مَنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ بَعْدَ الْيَمِينِ

وَقَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم -: «لَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَلْحَنُ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ». وَقَالَ طَاوُسٌ وَإِبْرَاهِيمُ وَشُرَيْحٌ الْبَيِّنَةُ الْعَادِلَةُ أَحَقُّ مِنَ الْيَمِينِ الْفَاجِرَةِ.

٢٦٨٠ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ زَيْنَبَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ - رضى الله عنها - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ «إِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَىَّ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَلْحَنُ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِحَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا بِقَوْلِهِ، فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ فَلَا يَأْخُذْهَا». أطرافه ٢٤٥٨، ٦٩٦٧، ٧١٦٩، ٧١٨١، ٧١٨٥ - تحفة ١٨٢٦١ - ٢٣٦/ ٣

واعتبرها الفقهاءُ إذا يُوجِب تَناقُضًا، وإنما اعتُبِرت بينةُ المُدَّعي ههنا لإِمكان التوفيق، وعدم التناقض.

قوله: (ولَعَلَّ بَعْضَكُم أَلْخنُ من بَعْض) ... الخ، وفيه مسألةُ قضاءِ القاضي بشهادةِ الزُّور. ومرَّ عليها الشيخُ ابنُ الهِمام، ولم يأت بشيء شافٍ. وبحث عليها السَّرَخْسي في «المبسوط» فكفى وشَفَى.

أقول: والحديثُ لا يَرِد علينا أَصلا، فإِنه ليس من باب القضاء بشهادةِ الزُّور، وإنما هو في القضاء بِلحْن الحُجَّة، وطلاقةِ اللَّسان، وفصاحة البيانِ، والقضاء بمثله أيضًا يجري فيما بين الناس، فإِنَّ للحُكْم أبوابًا، فقد يكون من القاضي في مَجْلِس القضاء، وقد يكون بطريق التحكم، وقد يكون من باب المروءة، فلا يلزم أن يكون ذلك قضاءً بالشهادةِ، وإنما هو إذا بَلَغَ الأَمْرُ إلى مجلس القضاء، فَمَنْ أَخذ مالَ أخيه بمجرد طلاقته، وفصاحَتهِ، لم يَنْقُذ القضاءُ فيه قاطنًا عندنا أيضًا، وسيجيء الاكلام في الحِبَل.

[فائدة]

ذهب ابن نجيم إلى أن الشيخ ابن الهمام قد بلغ من الفقه منصب الاجتهاد، أقول: بل هو من المرجحين، وليس بفقيه النفس. لأنه لا يأتي في الباب بشيء جديد سمحت به قريحته، وإنما يقرر كلمات القوم تقريرًا جيدًا، ولم أجد في كتابه حديثًا زائدًا على ما أخرجه الزيلعي، إلا في موضعين؛ أما الذي يكون فقيه النفس، فيكون له شأن يبدي عجائب، وغرائب، وتكون في ذهنه سلسلة المسائل يتفرع عليها بدون مناقضة، ولا مهاترة.

<<  <  ج: ص:  >  >>