للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

١٤ - باب مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِى الدِّينِ

الفقه والفهم والفكر والعلم والمعرفة والتصديق كلها ألفاظ متقاربة لا مترادفة، فالفقه: أن يفهم غرض المتكلم صحيحًا. والفكر: "انديشيدن". والفهم: "فهميدن". والعلم: "دانستن". والمعرفة: "شناختن". والتصديق: "باوركردن". فهذه فروق نبه عليها أهل اللغة لا يُهتدى إليها بعد صرف الأعمال.

٧١ - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ قَالَ حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ خَطِيبًا يَقُولُ سَمِعْتُ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ «مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِى الدِّينِ، وَإِنَّمَا أَنَا قَاسِمٌ وَاللَّهُ يُعْطِى، وَلَنْ تَزَالَ هَذِهِ الأُمَّةُ قَائِمَةً عَلَى أَمْرِ اللَّهِ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِىَ أَمْرُ اللَّهِ». أطرافه ٣١١٦، ٣٦٤١، ٧٣١٢، ٧٤٦٠ - تحفة ١١٤٠٩ - ٢٨/ ١

٧١ - قوله: (إنما أنا قاسم والله يُعطي). واعلم أن النبي صلى الله عليه وسلّم في النَّظر المعنوي ليس بقاسمٍ كما أنه ليس بمعطٍ فإن الأمورَ كلَّها إلى الله سبحانه فمنه الإعطاء ومنه القسمة. وإن نظرت نظرًا صوريًا فهو معطٍ أيضًا كما أنه قاسمٌ، فكيف هذا التقسيم في القسمة والإعطاء بين الله ورسولِهِ فإنه يؤدِّي إلى اعتبار جهة الصورة والمعنى معًا. ثم تبيَّن لي أنه راعى جهة الصورة فقط في الجملتين كلتيهما؛ لأن الحديث واردٌ على طور أهل العرف وهم لا يعتبرون في الإعطاء الفاعلَ الحقيقيَّ، بل ينسبونَه إلى الناس فيقولون: زيد أعطى كذا. وموجبه أن يعزوَ إلى نفسه الإعطاء أيضًا كالقِسمة ويقول وأنا أُعطِي. إلا أنه نسبه إلى الله تعالى؛ لأنه عارضته جهة أخرى، وهي أن المُعطي يكون عاليًا مستقلًا عند أهل العرف، والقاسم آلة، والآخذ سافلًا، واليدُ العليا خير من اليد السفلى، فأبقى الاستقلال لصاحب القوة وهو الله سبحانه. ونسب إلى نفسه ما ناسب ضعفه، فإن الإنسان خُلِق ضعيفًا فراعى الأدب في القرينتين، لا أنه راعى مسألة توحيد الأفعال. ثم رأيت في كلام الحافظ ابن تيميّة رحمه الله: أن الأنبياء عليهم السلام لا يملكون شيئًا حال حياتهم كما أنَّهم لا مِلْك لهم بعد وفاتهم، واستُدِلَّ عليه بهذا الحديث، وقال: «إنه قاسم لا غير ولا مِلْكَ له أصلًا. فحينئذٍ بقي الحديث على ظاهره بدون تأويل. وأما قوله تعالى: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ} [الأنفال: ١٧] الخ، فإنه روعِيَتْ فيه جهة الصورة والمعنى معًا وله وجهٌ أيضًا. (ولن تزال ... إلخ) واختلف في تعيين مصادقِهِ وكلٌّ ادّعى بما بدا له.

قلت: كيف مع أنه منصوصٌ في الحديث وهم المجاهدون في سبيل الله؟ ثم رأيت عن أحمد رحمه الله أن تلك الطائفة إن لم تكن من أهل السنة والجماعة فلا أدري من هي؟ ولم أكن أفهم مراده لأنك قد علمت أنها المجاهدون بنص الحديث. ولا يمكن عنه الغفلة لمثل أحمد رحمه الله فكيف قال إنها أهل السنة والجماعة؟ ثم بدا لي مراده: وهو أن المجاهدين ليسوا إلا من أهل السنة، فعلمت أنه عيَّنَهم من تلقاء جهادهم لا من جهة عقائِدِهم، ويشهد له

<<  <  ج: ص:  >  >>