للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

باب التَّسارع إلى الخير، مهما أمكن، ثم حُسِبت عُمْرته الناقصة عن العُمْرة من تلك السَّنة؛ وهذه المسارعةُ ليست من الإِخبار بالغيب في شيءٍ. فالحاصل أنَّ كَشْف الأَمْر المُبههم عند الحاجةِ ليس من الكذب في شيء (١).

ثمَّ إنَّ قولَه: «أليس كان يحدِّثُنا»، دليلٌ على تَقادُم عَهْدِهم بذلك القول، لا أنهم أخيروا بذلك عن قريبٍ، ثم سافورا الأَجْل الإِخبار به؛ بل فيه أن الله تعالى يَرْزُق لكم العُمْرة حِينًا ما، والذي تبين آخِرًا أنَّ هذا اللفظ في «الصحيح» يُشْعِر بنفي الرؤيا عندهم، فإِنَّه يدلُّ على أَن ذِكْر الاعتمار عندهم كان بطريقِ المحادثة فيما بينهم، وذلك أيضًا في قديم من الزمان، لا في عَهْد قريب، لا أنه كانت عندهم في ذلك رؤيا بَنُوا عليها سَفَرَهم، ولو كان سفرُهم هذا من أَجْل رؤياه لكان الإِحالةُ عليها أَوْلى من الإِحالة على التحديث، لكونها أدخَل فيه، ولكننَّا لم نجد أحدًا منهم يَذْكُر فيه رؤيا، غير أنهم يذكرون التحديث، وذلك أيضًا كان في القديم منهم. ولذا قُلْت: إنَّ بناءه على نفي كون أن اليبيَّ صلى الله عليه وسلّم رأها بالحديبيةِ. والحاصل أنَّ أخبارَ الغيب التي تأتي إلينا خارقةً للعادة يستحيلُ أن تتخلف عن الواقع، أما في تلك القصة فليس فيها غيرُ الرجاء والإِرادة، وذلك أَمْرٌ آخَرُ، كما علمته.

قوله: (قال عمر) أي ثُم نَدِمت مما تجاسَرْتُ بين يَدَي رسولِ الله صلى الله عليه وسلّم وعَمِلت لكفَّارَتِه ما قدر لي.

قوله: ({وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ}) [الممتحنة: ١٠] واعلم أن عِصْمة الزوجةِ إنَّما تُسْتَمْسك من جهة الزوج، فهوالحافظ لِعِصْمتها. فلما كان الله سبحانه أَمَرَهم أن يفارِقوا أزواجَهم التي كانوا نَكَحُوهُنَّ وهنَّ كوافِرُ، ولم يهاجِرْن معهم، عَبَّر عن مفارَقَتهِنَّ بعد إمساك العصمة، أي إذا كُنَّ دار الحرب، وأنتم في دار الإِسلام، فإِبقاء نكاحِهن إمساكٌ لِعصْمَتِنَّ في دا رالحرب، وذ إنما يناسِبُ بالمؤمنات، أما الكوافِرُ فلا تُناسب لكم أن تُمْسِكوا عصمتَهنَّ بإِبقاء الزوجية، ففارقوهن؛ وحاصله أَنَّ الزوجةَ الكافرة لا تَصْلُح لكم، وأنتم لا تصلحون لهنَّ، فلا يتزوج بعد ذلك مُسلمٌ كافرةً "مت تهاى ركهو عصمتين كافر عورتون كى شوهر عصمت تهامى هتاهى بيوى كى مطلب هيه هواكه اب سى مسلم كى تحت مين كافره ببوى نهين ره سكتى".

٢٧٣٣ - وَقَالَ عُقَيْلٌ عَنِ الزُّهْرِىِّ قَالَ عُرْوَةُ فَأَخْبَرَتْنِى عَائِشَةُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَمْتَحِنُهُنَّ، وَبَلَغَنَا أَنَّهُ لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يَرُدُّوا إِلَى الْمُشْرِكِينَ مَا أَنْفَقُوا عَلَى مَنْ هَاجَرَ مِنْ أَزْوَاجِهِمْ، وَحَكَمَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، أَنْ لَا يُمَسِّكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ، أَنَّ عُمَرَ طَلَّقَ


(١) قلت: وأشبه نظيره ما وقع لأبي بكر في قصة غَلَبةِ الرُّوم، حيث شارَطَهم على مدةٍ معينة، ثُم علم أن القرآن كان سَلكَ فيها مَسلَك الإِجمال، وكان أخبر بالغلبةِ في بِضْع سنين، فعيَّنه أبو بكر من عنده، فهكذا وقع ههنا من الصحابة، فإنَّهم حملوا سَفَر النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - على أنه مُعْتَمر من تلك السنة لا محالة، ثم أخبرهم النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أنهم ليدخُلن المسجدَ الحرام إن شاء الله تعالى مِن قابل، وأنه لم يعِدْهم أنهم معتمرون في تلك السنة.

<<  <  ج: ص:  >  >>