للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٣١٩٣ - حَدَّثَنِى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ عَنْ أَبِى أَحْمَدَ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَبِى الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ قَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - أُرَاهُ «يَقُولُ اللَّهُ شَتَمَنِى ابْنُ آدَمَ وَمَا يَنْبَغِى لَهُ أَنْ يَشْتِمَنِى، وَتَكَذَّبَنِى وَمَا يَنْبَغِى لَهُ، أَمَّا شَتْمُهُ فَقَوْلُهُ إِنَّ لِى وَلَدًا. وَأَمَّا تَكْذِيبُهُ فَقَوْلُهُ لَيْسَ يُعِيدُنِى كَمَا بَدَأَنِى». طرفاه ٤٩٧٤، ٤٩٧٥ تحفة ١٣٦٦٦

وقد مرَّ نظائرُه من قوله: «بَدْء الوحي»، و «بَدْء الحَيْضِ»، فهذا «بَدْء الخَلْقِ». ويَذْكُرُ في ضِمْنِهِ الأحوالَ، إلى الحشر. وهذا الكتابُ في كُتُبِ الأحاديث أقربُ إلى سِفْر التكوين من التوراة.

قوله: ({وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ}) [الروم: ٢٧] أَتَى بِصيغة التفضيل رعايةً لحال المُخَاطَبِينَ، ومُجَارَاةً لهم، فإن الإِعادةَ عندهُم أسهلُ من الإِبداع، وإلَاّ فالكلُّ سواء بالنسبة إلى قدرته، فإن الله تعالى لا مُكْرِهَ له.

٣١٩١ - قوله: (كان اللَّهُ، ولَمْ يَكُنْ شيءٌ غَيْرُهُ) ومن لفظه: «ولم يكن شيءٌ قَبْلهُ»، ولا أَذْكُرُ فيه لفظ: «معه». والأَوْلَى اللفظُ الأوَّلُ، فإنه يَدُلُّ على أن سائرَ العالم بنَقِيرِه وقِطْمِيرِه حَادثٌ، بخلاف قوله: «ولم يكن شيءٌ قبله»، فإنه وإن كان صحيحًا في نفسه، لكنه لا تَسْتَفَادُ منه المسألةُ المذكورةُ. ثم إن هذه عقيدةُ الأديان السماوية كلِّها، وما من دينٍ حقَ إلَاّ ويَعْتَقِدُ بحدوث الأكوان، إلَاّ الله، واختار الشاه وليُّ الله في بعض رسائله قِدَمَ العالم، وتمسَّك بما عند الترمذيِّ إنه صلى الله عليه وسلّم سُئِلَ: «أيْنَ كَانَ رَبَّنَا قَبْلَ أن يَخْلُقَ خَلْقَهُ؟ قال: كان في عَمَاءٍ، ما فَوْقَهُ هَوَاءٌ، وما تَحْتَهُ هَوَاءٌ (١).


(١) قلتُ: وكان الشيخُ شَرَحَهُ في موعظةٍ، حين أقامته بدار العلوم بديوبند. وها أنا أُلْقي عليك نبذةً منه على ما أحْفَظُهُ. قال: إن العَمَاءَ شيءٌ يُشْبِهُ الضَّبَابَة، تقوم مقام /جرشاهى/ للملك، وربما يوجد ذكرها عند ذكر العِلْوِيَّات، فقال تعالى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ} [البقرة: ٢١٠] وكذا في قصة صحابي تلا في الليل سورة الكهف، فَرَأى سحابةً، أو ضَبَابةً. فَهَذا شيءٌ يناسب بحضرة الربوبية، وهو أيضًا مخلوقٌ لله تعالى، إلَّا أن السؤالَ كان عن هذا العالم المشهود، أي: أين كان ربنا قبل أن يَخلُقَ هذا العالم؟ لا مُطْلق الخَلْقِ. فإن العَمَاءَ لا يَعْلَمُهُ كثيرٌ من العلماء، فما للسائل أن يَسْألَهُ عن كونه قبل العَمَاءِ. فإن السؤال لا يكون إلَّا عَمَّا في محيط عِلْمِنَا، لا ما عَلِمْنَاهُ بعد إخبار الشرع. ولذا أَجَابَهُ بأنه قبل ذلك العالم، كان في عَمَاءِ. ولعلَّه مادةٌ للأكوان كلِّها، وإليه أَشَار في قصيدته في حدوث العالم:
تَعَالى الذي كَانَ وَلَمْ يَكُ ما سِوَى ... وأوَّلُ ما جلى العَمَاء بمصطفى
وأيضًا في الفارسية:
/بدريائى عماء موج إراده ... حباب انكيخت حادث نام كردند/
وإنما دلَّه على العَمَاءِ، لأنه سُئِل أن الرَّب أين كان؟ فقال: إنه كان قبل الخلق في العَمَاءِ، على ما يلِيقُ بشأنه. =

<<  <  ج: ص:  >  >>