للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وذكر اسم ذي القرنين: صعب بن روم بن يونان بن تارخ بن سام، فهو إذن من عادٍ الأُولَى، لا من الروم، أو اليونان، وقد قال الله تعالى: {وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ} [الأعراف: ٦٩]. وذكر أيضًا أن كورش ليس هو كيقباد، بل هو من الطبقة الثانية من ملوك بابل. والأشبه في وجه تسميته ما عن عليّ، وقد قوَّاه في «الفتح» وشرحه في «شرح القاموس»، وذكر في التنزيل ثلاثة أسفار له: الأوَّل إلى المغرب، ثم إلى المشرق، ولم يَذْكُرْ جهةَ الثالث، ولا قرينةَ له على أنَّه إلى الجنوب، فهو إذن إلى الشمال، وسدُّه هناك في جبل قوقايا، الذي يسمى الآن الطائي، غير مجموعة الجبال الأورالية، وهو المرادُ بآخر الجربياء في كتاب حزقيال عليه السلام، كما في «روح المعاني».

قلتُ: الجِرْبِياء في اللغة: الريح التي تَهُبُّ من المشرق والشمال. وبنى أيضًا بعضُ ملوك الصين سدًّا لنحو ضرورة ذي القرنين، وهو سدٌّ كان المغول سَمَّوْهُ: أتكووة، وسمَّاه الترك: بوقورقه، ذكره صاحب «الناسخ»، وأرَّخ لبنائه: سنة ٤٣٨١ من الهبوط. وكذا بعض ملوك العجم من باب الأبواب لمثل ما ذَكَرْنَاهُ. وهناك سدودٌ أُخَر، وكلُّها في الشمال.

ثم لو ثَبَتَ ما اشتهر، وشهَّره المؤرِّخون، وذكره في «حياة الحيوان»، عن ابن عبد البَرِّ في «كتاب الأمم من الكركند»: أن مَأْجُوجَ من ولد يافث، سَكَنَ هناك، وأن جوج لَحِقَ بهم، وأن ماغوغ - كما ذَكَرَه ابن خَلْدُون - بالعبرية، هو: مَأْجُوجُ في العربية، وجوج، هو: يَأْجُوجُ. مع أنه لم يَذْكُرْ في كتاب حزقيل بلفظ يَأْجُوج، وإنما ذَكَرَ: جوج، وسلَّم أنهما معرَّبٌ كاك ميكاك في الإِنكليزية، وأن رخلأسيَا من يَأْجُوج، وأهل بريطانيا من مَأْجُوج. ولم يَدُلُّ على أن ذي القرنين سَدَّ على كلِّهم، بل سَدَّ على فِرْقَةٍ منهم هناك.

قال ابن حَزْم في «الملل والنحل» فيما يَعْتَرِضُ به النصارى على المسلمين قديمًا: إن أرسطو ذكر السدَّ ويَأْجُوجَ ومَأْجُوجَ في «كتاب الحيوان»، وكذا بطليموس في «جعرافياه». بل سؤالُ تعيين السدِّ، أو تعيينُ ذي القرنين، وَقَعَ من اليهود أولًا عنه صلى الله عليه وسلّم كذا يُسْتَفَادُ من بعض روايات «الدر المنثور». وبعضُ الناس يَجْعَلُ اللفظين: منكوليا ومنجوريا، وبعضُهم كاس ميكاس، وبعضهم: "جين ما جين"، وهو كما تَرَى.

وأعجبُ منه ما في «الناسخ»، من ذكر بناء بيت المَقْدِسِ: أن علماءَ بني إسرائيلَ كانوا يُطْلِقُون على صور وصيدا: جين ما جين، ونَقَلَ بَعْضُهم عن «تاريخ كليسيا» فِرْقَةً من فِرَقِ الآريوسة لقبها: ياجوجي. والمُفْسِدُون في الأرض لا يَصْدُقُ على كلِّهم، فإنه إهلاكُ النَّسْلِ والحَرْثِ، وتَخْرِيبُ البلاد، والنهبُ، والسفكُ، وشنُ الغارة، لا أخذ الممالك بالسياسة والتدبير، وهؤلاء مَوْصُوفُون بذلك لا الأول. وإذا انقطع هذا اللقبُ

<<  <  ج: ص:  >  >>