للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الصلاة والسلام، ويُسْتَفَادُ من رواية الترمذيِّ (١) من قصة وفد عاد، أنها كانت موضعًا مشتهرًا بإِجابة الدعوة. وبَعَثَ إليه عادٌ أناسًا، فَنَزَلُوا بها، إلى آخر القصة. أقولُ: لا ريب أنها كانت محلاًّ مكرَّمًا من زمنٍ قديمٍ، إلَاّ أنه يمكن أن تكونَ خَرِبَتْ في البين، ثم ابْتُدِىء تعميرها من زمن إسماعيل عليه الصلاة والسلام. وفي التاريخ: ذكرٌ للأسباط الذين دَخَلُوا مكة من عادٍ. وكانت سلطنتهم على إيران أيضًا، فإن الضحَّاك منهم، فإنه ابن أخٍ لعاد، وكانت سلطنتهم على الشام، ومصر، والعراق أيضًا.

٣٣٦٤ - قوله: (ذَاكِ أِبي، وقَدْ أَمَرَني أَنْ أُفَارِقَكِ، إلْحَقِي بِأَهْلِكِ) واعلم أنه من ألفاظ الكِنَايَات، والواقعُ بها بوائنٌ عندنا. وفي مبسوطات الفِقْهِ: أن الواحدَ البائنَ أيضًا بِدَعِيٌّ؛ فكيف طلَّق به إسماعيلُ عليه الصلاة والسلام؟ والجواب عندي، واستفدته من مسألةٍ عن محمد في «المنتقى»، وهي: أن الخُلْعَ جائزٌ في حالة الحَيْضِ، مع أن الخُلْعَ طلاقٌ بائنٌ، والطلاقُ في حالة الحيض بِدَعِيٌّ، فإذا ثَبَتَ الجوازُ في موضعٍ لأجل الضرورة، قِسْتُ عليه جوازه في مَوْضِعٍ آخرَ أيضًا، وهو عندي: عدم التوافق والعزمُ على تركها بالكليَّة.

٣٣٦٦ - قوله: (قُلْتُ: كَمْ كَانَ بَيْنَهُمَا؟ قال: أَرْبَعُونَ سَنَةً) قيل: إن المسجدَ الأقصى من تعمير سليمان عليه الصلاة والسلام، وإن كان ابتداؤُه من داود عليه الصلاة والسلام، وبينه وبين إبراهيم عليه الصلاة والسلام قرونٌ متطاولةٌ. والجوابُ على ما اختاره ابن القيِّم: أن تعيينَ مكان المسجد الأقصى كان من يد إسحاق عليه الصلاة والسلام، فإنه كان غَرَزَ وَتَدًا هناك، كما في التوراة. فأمكن أن تكونَ المدَّةُ المذكورةُ بين البناءين بهذا الاعتبار. وللقوم ههنا أجوبةٌ أخرى (٢)، ذَكَرَها الشارِحُون. وقد قدَّمنا الكلامَ في تحقيق القِبْلَتَيْن في باب الإِيمان، وأن الأقربَ عندنا أنهما من بناء إبراهيم عليه


(١) أخرجها الترمذيُّ في التفسير من سورة الذاريات.
(٢) قال الطحاويُّ في "مشكله": إن باني المسجدَ الحرامَ هو إبراهيمُ عليه السلام، وباني المسجدَ الأقصى هو داود، وابنه عليهما السلام من بعده. وقد كان بين إبراهيم وبينهما عليهم الصلاة والسلام من القرون ما شاء اللهُ أن تكونَ. لأنه كان بعد إبراهيمَ ابنُه إسحاق، وبعد إسحاقَ ابنُه يعقوب، وبعد يعقوب ابنُه يوسفَ، وبعد يوسفَ موسى، وبعد موسى داود، سوى من كان بينهم من الأسْبَاطِ، وممن سواهم من الأنبياء عليهم السلام. وفي ذلك من المدد ما يتجاوز الأربعين بأمثالها. فكان جوابُنا له في ذلك: أن من بَنَى هذين المسجدين هو من ذَكَرَه، ولم يَكُنْ سؤالُ أبي ذرٍ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عن مدَّة ما بين بنائهما، إنما سَأَلَه عن مدَّة ما كان بين وضعهما، فَأَجَابه بما أَجابه.
وقد يَحْتَمِلُ أن يكونَ واضعُ المسجد الأقصى كان بعضُ أنبياء الله قبل داود، وقبل سليمان في الوقت الذي بَنَيَاه فيه. فلم يَكُنْ في هذا الحديث بِحمد الله ما يَجِبُ استحالته. اهـ. ورَاجِعْ له "عمدة القاري"، فإنه نَقَلَ جوابًا عن القرطبيِّ، وجوابًا آخر عن الخطَّابي، وأوضحهما بيانٍ حسنٍ، ولا بُدَّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>