للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فالحديثُ لم يشدِّد فيه تشديدَ القرآن، وعدَّ قولهم من باب الإِطراء فقط، لإِمكان التأويل فيه، بادِّعاء وَحْدَة الوجود، أو غيره.

فائدةٌ: واعْلَمْ أنه لا حِجْرَ في وَحْدَةِ الوجود، فَيُمْكِنُ أن يكونَ كذلك. أمَّا كونُه من باب العقائد التي يَجِبْ بها الإِيمان، فذلك جَهْلٌ، لأن غايةَ ما في الباب أنه شيءٌ ثَبَتَ من مُكَاشَفَات الأولياء، فَقَدْ ثَبَتَ خلافه أيضًا وإنما الأحقُّ بالإِيمان، هو الوحيُ لا غير.

٣٤٤٦ - قوله: (وإِذَا آمَنَ بِعِيسى، ثُمَّ آمَنَ بِي، فَلَهُ أَجْرَانِ) واعْلَمْ أن المذكورَ في سائر طُرُق هذا الحديث في البخاريِّ. «آمن بأهل الكتاب»، إلَاّ في هذا الطريق، ففيه: «آمن بعيسى عليه الصلاة والسَّلام»، ومن ههنا قال بعضُهم: إن الذين يُؤْتَوْنَ أَجْرَيْنِ هُمُ النصارى الذين آمنوا بعيسى عليه السلام، وبمحمد صلى الله عليه وسلّم أمَّا اليهودُ، فإنهم كَفَرُوا بعيسى عليه السَّلام، فلا يستحقُّون إلَاّ أجرًا واحدًا، وهو الإِيمان بمحمدٍ صلى الله عليه وسلّم فقط. وقالوا: إن المرادَ من أهل الكتاب هُمُ النصارى، لأجل هذا اللفظ. ويُرَدُّ عليهم: أن الحديثَ مأخوذٌ من الآية. وأنها قد أُنْزِلَتْ في عبد الله بن سلام، وكان يهوديًا، فكيف يُمْكِنُ إخراجهم عن قضية الحديث، مع كونهم موردَ النَّصِّ. وقد أَجَبْنَا عن الإِشكال في كتاب العلم مبسوطًا، فراجعه.

٣٤٤٧ - قوله: (قَالَ: هُمُ المُرْتَدُّونَ)، وقد مرَّ منا: أن المرادَ منهم المُبْتَدِعُون (١) مطلقًا. وإنما جَاءَ ذِكْرُ المرتدِّين في سياق الحديث، لأن الذين كانت بهم معرفةٌ للنبيِّ صلى الله عليه وسلّم لم يَكُونُوا إلَاّ هؤلاء. والمرادُ منه: كلُّ من بدَّل الدين، كما يَدُلُّ عليه قوله: «سُحْقًا، سُحْقًا لمن بدَّل بعدي». وإنما يُذَادُون عن الحوض، لأنه تمثُّلٌ للشريعة، كما مرَّ مني مِرَارًا: أن الأعراضَ تَنْقَلِبُ (٢) جواهرَ يوم القيامة، فالحوض هو تمثُّل الشريعة والسُّنة، فمن بدَّلها في الدنيا لا حظَّ به أن يَرِدَ عليه في الآخرة. بل أقول: إن الشريعة معناها: الحوض لغةً، فإِذن ظَهَرَتْ المناسبة بالأولى.


(١) قال أبو عمر: كلُّ من أَحْدَثَ في الدين، فهو من المَطْرُودين عن الحوض، كالخوارج، والروافض، وسائر أصحاب الأهواء، وكذلك الظَلَمَةُ المُسْرِفُون في الجَوْرِ وطَمْسِ الحقِّ، والمُعْلِنُون بالكبائر. اهـ. "عمدة القاري". قلتُ: وقد نبَّه فيه الشيخُ على معنًى بديعٍ على طور أرباب الحقائق، يَذُوقُها من له مناسبة من هذا الباب. وقد تفرَّق الشارِحُون في تعيين تلك الطائفة أيادي سبأ، فاغتنمه.
(٢) وما أَحْصى كم مرَّة نبَّهتك على أن الشيخَ كثيرًا ما كان يَقْتَحِمُ في لُجج الحقائق، ويتكلَّم على نحوهم. والعالمُ المتقشِّفُ لا يَذُوقُه أبدًا، كيف! ومن لم يَذُقْ لم يَدْرِ، فيجعله عقيدةً، وأين هذا من ذاك، فلا يَلُومَنَّ إلَّا نفسه وقد نبَّه الشيخُ مِرَارًا: أن القطعيَّ هو الوحيُ فحسب، وبعده أمورٌ تَرْتَاحُ بها النفس، ولا يُمْكِنُ التكليفُ بها، فاعلمه.

<<  <  ج: ص:  >  >>