للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ «لِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينٌ، وَأَمِينُ هَذِهِ الأُمَّةِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ». طرفاه ٣٧٤٤، ٧٢٥٥ - تحفة ٩٤٨ - ٢١٨/ ٥

وكان أهل نَجْرَان جاءوا إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلّم ليناظروه في أمر عيسى عليه الصلاة والسَّلام. فلمَّا لم يَقْبَلُوا الحقَّ دعاهم إلى المُبَاهَلَةِ. والبُهْلَةُ: اللعنةُ. والمُبَاهَلَةُ عندي كانت على جميع ما يتعلَّقُ بشأن عيسى عليه الصلاة والسلام، من براءة أمِّه، وحياتِهِ عليه الصَّلاة والسَّلام وغيرها. وقد نَقَلْتُ عبارةَ محمد بن إسحاق برمتها في رسالتي «عقيدة الإِسلام»، فهذا دليلٌ على أن النبيَّ صلى الله عليه وسلّم قد بَاهَلَهُمْ على حياته أيضًا.

ثُمَّ إن رؤساءهم أيضًا كانوا معهم، وكان اسمُ أحدهم العاقبَ، والآخر السَّيِّد، والذي فَهِمْتُ أنه على عُرْفِ (١) العرب، فإنَّهم كانوا يسمَّوْنَ من يكون إمام الجيش حاشرًا، والذي يكون عَقِيبه عَاقِبًا. وعلى هذا فلعلَّ السيدَ كان لقبًا لمن كان إمامهم، والعاقِبَ للذي كان في عَقِبِهِمْ. وبهذا فَلْيُشْرَحْ اسم النبيِّ صلى الله عليه وسلّم العاقب. والشارحون غَفَلُوا عن هذه المجاورة، فلم يتوجَّهُوا إليها. وحينئذٍ تسميتُه عاقبًا، بمعنى كونه على عَقِبِ الأنبياء، كما يسمَّى الآخر من الجيش عَاقِبًا، لكونه في عَقِبِهِمْ.

واعلم (٢) أن المُبَاهَلَةَ تَجُوزُ في المضايق الآن أيضًا، وقد دوَّن الدَّوَّانيُّ الشافعيُّ شرائطَهَا في رسالةٍ مستقلَّةٍ. وقد كان من دَيْدَن لعين القاديان صاحب الهذر والهذيان، والدعوةُ إلى المباهلة. وقد كان الناسُ لا يَتَبَادَرُون إليها لغناء ربِّ العالمين، فإن النبيَّ صلى الله عليه وسلّم قد كان ربُّه وَعَدَهُ بالنصر. وأمَّا نحن في هذه الحالة، والله غنيٌّ عن العالمين، وأنَّى نَعْلَمُ أنه لا يَنْصُرُ ذلك الشقيُّ استدراجًا. فدعى أذنابه - علماء ديوبند إليها - فتأخَّروا عنها لهذا. ودَعَوْهُ إلى المناظرة لِيَهْلِكَ من هَلَكَ عن بيِّنةٍ، ويحيى من حيي عن بيِّنةٍ. ولكن المخذولون المحرومون عن العلم، كانوا يَخَافُون أن يَخْرُجُوا إلينا في تلك المعركة. فلمَّا رأيناهم أنهم لا يَخْرُجُون إلَّا إلى المُبَاهَلَةِ، قَبِلْنَاها منهم أيضًا، وأرَدْنَا أن لا نَتْرُكَ لهم عذرًا. ولكنَّهم لمَّا رأوا أنا قد تأهَّبنا لها إذا هم يَنْكُثُون. فلمَّا رَجَعَ شيخُنا من مالتا - وكان بها أسيرًا منذ سنين - وسَمِعَ القصةَ غَضِبَ علينا، وقال: ما دلَّكم على أن اللَّهَ تعالى


(١) هكذا وجدته في مذكرتي، وعسى أن يكونَ فيه نقصًا. وبعدُ، ما ذَكَرَهُ الشيخُ واضحٌ في معناه.
(٢) قال الحافظُ: وفيه مشروعيةُ مُبَاهَلةِ المُخَالِفِ إذا أصرَّ بعد ظهور الحُجَّةِ. وقد دعا ابنُ عبَّاسٍ إلى ذلك، ثم الأوزاعيُّ. ووقع ذلك لجماعةٍ من العلماء. وممَّا عُرِفَ بالتجربة: أنَّ من بَاهَلَ، وكان مُبْطِلًا، لا تمضي عليه سنةً من يوم المُبَاهَلَةِ. وقد وَقَعَ لي ذلك مع شخصٍ كان يتعصَّب لبعض الملاحدة، فلم يَقُمْ بعدها غيرَ شهرين. اهـ.
قلت: وقد ذَكَرَ الحافظُ فيه فائدةً أخرى مهمةً تُفِيدُكَ في مبحث الإيمان، قال: وفي قصة أهل نَجْرَان أن إقرارَ الكافر بالنبوة لا يُدْخِلُهُ في الإِسلام حتَّى يَلْتَزِمَ أحكامَ الإِسلام. وهذا عينُ ما حقَّقه الشيخُ فيما مر من مباحث الإِيمان.

<<  <  ج: ص:  >  >>