للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

نعم. ومنهم الغَزَالي، وكذلك اختلف في تفسير عالم الأمر والخَلْق، فقيل: إن المشهودَ عالم الخَلْق والغائب عالم الأمر، فما كان من عالم الأمر لا يمكنُ فهمُ كُنْهِهِ لمن كان من عالم الشهادة. وأن المرءَ يقيسُ على نفسه مثل سائر. وقال المفسرون: إن الخلق عالم التكوين والأمر عالم التشريع.

وحينئذٍ حاصل الجواب: أن الروحَ من أمرها. فوجدت من أمره تعالى. ولما لم تُعطوا من العلم إلا قليلًا فلا ينكشفُ عليكم حقيقتها أزيد منه، وعلى هذا فكأنهم مُنعوا عن السؤال عنها والخوض فيها، فلا يجوزُ البحث فيها إلا بعد رعاية قواعد الشريعة.

وقال الشيخ المجدد السَّرهندي رحمه الله تعالى: إن تحت العرش عالم الخلق، وما فوقه عالم الأمر. وذهب الشيخ الأكبر رحمه الله تعالى: إلى أن ما خلق الله من كَتم العدم، بلفظ: كن، فهو عالم الأمر. وما خلق شيئًا من شيء كالإنسان من الطين، فهو عالم الخلق.

قلت: والشيءُ الأول يقال له: المادة، وهو مُسلَّمٌ عند الكل ولا ينكرها إلا مكابر. أما الهيولي فليس بشيء إنما هو أوهامَهم غلبت عليهم. وقد قيل: إن الوهم خلاق. والذي تحقق عندي في بيان مراده أمر آخر ويتوقف على مقدمة وهي: أن المتكلمين قالوا: إن الفعل مختصٌ بذي شعور، ومَنْ لا شعور فيه فلا فعل له. وأقر الطوسي في «شرح الإشارات» والصدر الشيرازي صاحب «الشمس البازغة»: على أن للطبيعة شعورًا.

وأقول: يمكن عندي أن يصدر الفعلُ ممن لا شعور له أيضًا، لكن لا بد من انتهائه إلى ذي شعور. كما أن ابن سينا خمَّس الحركة وسمَّى نوعًا منها حركة التسخير. والحاصل: أن الفعل لا بد أن ينتهي إلى شعور أو إلى ذي شعور. وإذا علمت هذا فاعلم أن القرآن لم يتعرض في الجواب إلى حقيقة الروح ومادتِهِ، بل ذكر العلة الصُّوْرية فقط، ويريدُ أن الروحَ محرِكٌ للبدن وانتهاء شعورها أمرُ الرب، فهذا علتها الصورية فقط. أما حقيقتها فلا يعلمها إلا هو (١).

٤٩ - باب مَنْ تَرَكَ بَعْضَ الاِخْتِيَارِ مَخَافَةَ أَنْ يَقْصُرَ فَهْمُ بَعْضِ النَّاسِ عَنْهُ فَيَقَعُوا فِى أَشَدَّ مِنْهُ

١٢٦ - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ عَنِ الأَسْوَدِ قَالَ قَالَ لِى ابْنُ الزُّبَيْرِ كَانَتْ عَائِشَةُ تُسِرُّ إِلَيْكَ كَثِيرًا فَمَا حَدَّثَتْكَ فِى الْكَعْبَةِ قُلْتُ قَالَتْ لِى قَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - «يَا عَائِشَةُ، لَوْلَا قَوْمُكِ حَدِيثٌ عَهْدُهُمْ - قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ بِكُفْرٍ -


(١) قلت: ولم يتحصل لي في تقرير مراده مع تفكر تام غير هذه الجمل، فهي ضالة الحكيم، فمن وجدها فهو أحق بها، ويحتمل أن تكون سقطت عند الضبط فأشكل الغرض.

<<  <  ج: ص:  >  >>