للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الجهر في الآية هو الجهر اللغوي (بكارنا) وهو رفع الصوت دون الفقهي، فالمعنى أن لا تجهر بصلاتك جهرًا شديدًا، وكذلك لا تخافت بها، بحيث لا تسمع نفسك أيضًا على ما هو المخافتة لغة. بل اتخذ بين ذلك سبيلا، فيسمع أصحابك منك، فهذا القدر هو المأمور به في الآية، أي الأمر بين الأمرين، وهو معنى قوله تعالى: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ}، وسيجيء تقريره في التفسير بوجه أبسط من هذا.

قوله: (لا حول ولا قوة إلا بالله) ولما كانت تلك الكلمة من الكنوز، ويليق بها الإخفاء والستر. لم يذكر ثوابها في الأحاديث. بخلاف التسبيح، والتحميد، والتكبير.

قوله: (فرأى طيالسة، كأنهم الساعة يهود خيبر) والطيلسان ثوب كان العرب يلقونه على رءوسهم، وفيه دليل على أن الطيلسان كان من سيماء اليهود، فهل يكون مكروهًا؟ فحقق السيوطي في رسالة تسمى "بكف اللسان، عن ذم لبس الطيلسان" استحبابه، وادعى أن الصالحين كانوا يستعملونه، وكتب أن الشيخ ابن الهمام كان يلبسه، أما قوله: -كأنهم الساعة يهود خيبر- فبيان للواقع فقط، بدون إشعار منه بالكراهية، وكان الشيخ كمال الدين، أبو السيوطي أوصى الشيخ ابن الهمام أن ينظر في أمر ابنه، ويتعاهده بعده، فكان السيوطي في حجره، وكان الشيخ يمسح رأسه، كأنه يتأول الحديث في ذلك، فلم يلبث الشيخ أن توفي بعد برهة، فما ينقل الشيخ السيوطي عن وقائعه، إنما هي من زمن ملازمته في تلك المدة اليسيرة.

قوله: (فأعطاه، ففتح عليه) وفي "حلية الأولياء" لأبي نعيم الأصبهاني، أن الباب الذي نزعه عليٌّ يوم خيبر، ورمى به، رفعه تسعة رجال بعده، وفي روايات: أربعة رجال، وفي بعضها: اثنان، وما سوى ذلك مما اشتهرث فيه مبالغات الناس، فشطط (١).

قوله: (حتى يكونوا مثلنا، أي مسلمين) فلا نكف عنهم القتال دونه، على حد قوله تعالى: {فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ} الآية.

قوله: (أنفذ على رسلك) لما أعطى النبي - صلى الله عليه وسلم - عليًا رايته يوم خيبر، بادر إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -

بالسؤال عن القتال فيهم، حتى يكونوا مثله مسلمين، فهداه النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى ما كان أحسن له منه، وهو أن يمهلهم حتى يدعوهم إلى الإسلام، ثم علله بقوله: فوالله لأن يهدي الله بك رجلًا، إلخ؛ وليس له كثير ربط مما قبله في الظاهر، لأنه لا ينافي ما قصده عليّ، والسر فيه أن رب شيء يكون له ارتباط في الكلام من جهة السياق، والسباق، فإذا دون في الكتب رؤى غير مرتبط،


(١) قال: وذكر ابن إسحاق من حديث أبي رافع، قال: خرجنا مع علي حين بعثه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - برايته، فضربه رجل من اليهود، فطرح ترسه، فتناول علي بابًا كان عند الحصن، فتترس به عن نفسه، حتى فتح الله عليه، فلقد رأيتني، وأنا في سبعة، وأنا ثامنهم نجهد، على أن نقلب ذلك الباب، فما نقلبه، وللحاكم من حديث جابر أن عليًا حمل الباب يوم خيبر، وأنه جرب بعد ذلك، فلم يحمله أربعون رجلًا، والجمع بينهما أن السبعة عالجوا قلبه، والأربيعن عالجوا حمله، والفرق بين الأمرين ظاهر، وكان اسم الحصن الذي فتحه عليّ -القموص-، وهو من أعظم حصونهم، اهـ، وقد علمت غير مرة أن الشيخ لم يكن يتصدى إلى وجوه التوفيق بين أوهام الرواة.

<<  <  ج: ص:  >  >>