للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

على خصوص الحروف، فإذن لا فرق بين المتعة والنكاح المؤقت، لكونهما عبارتين عن معنى واحد، وقد قال نحوه في موضع آخر، وهي مسألة أداء السجدة بهيئة الركوع، وتمسك لها الحنفية بما في القرآن من قصة سجدة داود عليه الصلاة السلام، بأن القرآن عبر عن سجوده بالركوع، فدل على أن الركوع ينوب عن السجود، ونعم الاستنباط هو، لكن الشيخ لم يرض به، واعترض عليه بأن المراد من الركوع إذا كان هو السجود، فبقي لفظ -الراء، والكاف، والواو، والعين- حشوًا بمعزل عن النظر، فلا يصح التفريع المذكور؛ قلت: والصواب عندي أن الاستنباط لطيف لطيف، وبحث الشيخ ساقط، أما أولا فلأن شأن القرآن أرفع من أن لا يؤخذ بتعبيره، وأما ثانيًا، فلأنا قد رأيناهم اعتبروا بالألفاظ في باب النكاح، ولم ينظروا فيه إلى مجرد المسمى، فحكموا بانعقاد النكاح من بعض الألفاظ دون بعض، فدل على أن بعض الأحكام يدور على الألفاظ أيضًا، فسقط بحث الشيخ، ثم إن المتعة منسوخة إجماعًا، وما نسب إلى ابن عباس، فليس (١) بمحقق أيضًا، قلت: وما ظهر لي في هذا الباب، وإن لم يقله أحد قبلي أن المتعة بالمعنى المعروف لم تكن في الإسلام قط، ولكنها كانت نكاحًا بمهر قليل، لا بنية الاستدامة، بل بإضمار الفرقة في النفس بعد حين، والظاهر أن تحديد المهر بعشرة دراهم كان بعده. وهذا النوع من النكاح يجوز اليوم أيضًا، إلا أنه يحظر عنه ديانة، لإضمار نية الفرقة، ويؤيده ما عند الترمذي: ص ١٣٣ - ج ١ عن ابن عباس بإسناد فيه كلام، كان الرجل يقدم البلدة ليس له بها معرفة، فيتزوج المرأة بقدر ما يرى أنه يقيم، فتحفظ له متاعه، وتصلح له شيئه، فهذا صريح في أنه كان نكاحًا، مع إضمار الفرقة، وأما التخصيص بثلاثة أيام، كما في بعض الروايات، فليس لما فهموه، بل الوجه فيه أن المهاجرين لم يكونوا رخصوا في إقامتهم بمكة بعد الحج، فوق ذلك، فجاء إجازة المتعة لثلاثة أيام لهذا، لا لأن المتعة أحلت لثلاثة أيام، فليس الفرق إلا أن النكاح مع نية عدم الاستدامة كان مرخصًا في أول الأمر، ثم عاد الأمر إلى أصله كما كان، ولم يرخص فيه أيضًا؛ فهذا هو المتعة عندي، أما إن المتعة بالمعنى الذي زعموه، فما


(١) قلت: روى الترمذي عنه قال: إنما كانت المتعة في أول الإسلام، حتى نزلت الآية {إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} قال ابن عباس: فكل فرج سواهما، فهو حرام، وفي "المرقاة" يقول سعيد بن جبيرحين قال له: لقد سارت بفتياك الركبان، وقال فيها الشعراء، قال ابن عباس: وما ذاك؟ قال قالوا:
قد قلت للشيخ لما طال مجلسه: ... يا صاح هل لك في فتوى ابن عباس؟
وهل لك في رخصة الأطراف آنسة، ... تكون مثواك حتى مصدر الناس؟
فقال: سبحان الله! ما بهذا أفتيت، وما هي إلا كالميتة، والدم، ولحم الخنزير، ولا يحل إلا للمضطر، وهكذ ذكره الخطابي في "معالم السنن" ص ١٩٣، ثم قال الخطابي: إنه سلك فيه مذهب القياس، وشبه بالمضطر إلى الطعام، وهو قياس غير صحيح، لأن الضرورة في هذا الباب لا تتحقق، كهي -في باب الطعام- الذي به قوام الأنفس، وبعدمه يكون التلف، وإنما هذا من باب غلبة الشهوة، ومصابرتها ممكنة، وقد تحسم مادتها بالصوم والعلاج، فليس أحدهما في حكم الضرورة، كالآخر.
ونقل الخطابي قبيل هذا أن ابن عباس كان يتأول في إباحته للمضطر إليه بطول الغربة، وقلة اليسار، والجدة، ثم توقف عنه، وأمسك عن الفتوى به.

<<  <  ج: ص:  >  >>