للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أبي عبيدة بِعَيْنه، ولما لم يظهَر له فيه وَجْه، جعله صِلَةً. وقد تكلمنا عليه في رسالتنا: «عقيدة الإِسلام» (١).

قوله: ({المائدة أَصْلُها مفعولةٌ) ... إلخ. قلتُ: ولو جعلته الفاعل ذي كذا، لتخلَّصت من التأويل، فإنَّه يُبْنَى من الجامد أيضًا.

قوله: (وقال ابنُ عَبَّاس: {مُتَوَفّيكَ} [آل عمران: ٥٥] مُمِيتُك) (٢). واعلم أنه ليس في نَقْلٍ إسلامي أن عيسى عليه الصلاة والسلام أُمِيتَ، ثُم رُفِع، غير أنه يُرْوى عن وَهْب


(١) ومُلَخَّصه أن "إذ" ههنا ليست زائدة، بل هي لاستحضار صورةِ الواقعة، وهو قد يكون بتعبير الشيء الماضي بصيغةِ المستقبل، وسَمَّوه حكايةَ الحال، والاستحضار، وينشدون فيه قوله:
فَمَنْ يُنْكِر وجودَ الغول منكم، ... أخبر عن يقين، بل عيان
بأني قد لقيت الغول تهوى، ... بسهب، كالصحيفة صحصحان
فأضربه فأدهشه، فخرت ... صريعًا لليدين، وللجران
فقوله: فأضربه، وأدهشه أخرج بصيغة الحال، مع كونِه ماضيًا استحضارًا لتلك الصورةِ عند المخاطب فكأنَّه فرض ما كان قد مضى واقِعًا الآن عند المخاطَب، وعَبَّر عنه بما يُعبِّر عنه الحال الحاضر رعايةً لذلك المعنى، وقد يكون ذلك الاستحضار بتعبير المستقبل بصيغة الماضي، ولذلك الاستحضار تُستعمل لفظ "إذ" وليس الأَمْر كما فَهِمه النُّحاة، أنَّ حَرْف الشَّرْط يَقْلِبُ الماضي مستقبلًا، بل مُؤدَّاه أنه إذا دخل على الماضي أفاد الاستحضارَ، بمعنى تصوير المستقبل ماضيًا عندك. وتوضيحُه أن ذلك التصوير في الماضي إنما يتأتَّى بِفَرْض الواقع في الزمان الحال، وفيما قلنا يَحصُل بِفَرْض المتكلِّم نَفسِه في الزمان الماضي، كأنك عنده، وتشاهد هناك ما وقع ماضيًا ومستقبلًا. وتفصيلُه أن الواقع المستقبل قد يكون مُمتدًا، ينقضي شيئًا فشيئًا، جزءً فجزءً، فهذه الجملةً وإن كانت في المستقبل، إلا أن بَعضَ أجزائه ماضٍ بالنسبةِ إلى ما قَبله، وبَعض أجزائه مستقبل بالنسبة إلى ما بعده لا محالة.
فأنت إذا تريدُ أن تستحضرَ هذا التقضي، والمُضِي، والاستقبال بين أجزائه عند المخاطَب، تعتبره كأنه في الزمان الماضي يشاهده، فتستعمل صيغةَ الماضي لما هو ماضٍ عند ذاك، وفي معاينتك الفرضيةِ تلك، وإنْ كان جميعُه مستقبلًا بالنظر إلى الواقع، وهذا كَقَولك: سيجيءُ زيدٌ عندك غدًا، فإِذا جاءك، فرحِّب به وأكرمه. فيجيءُ زيدٌ. وإنْ كان مترقَّبًا واقعًا في الغد، إلا أنك صَورت المخاطَب قائمًا في المستقبل، وتريدُ أنه إذا وقع مجيئه في المستقبل ومضى؛ ماذا عليك بعده، وهو الإِكرام مَثَلًا، تلقى عليه ما ستقع في صورةِ الماضي، لكونه ماضيًا إذ ذاك، فليس أن الماضي انقلب إلى معنى الاستقبال، ولكنك اتقلت من الحال إلى زمنِ الاستقبال، فيما تشاهدُ هناك ماضيًا لا يعبَّر عنه إلَّا بالماضي.
ومحصَّل الكلام أن الأجزاء المتأخرة في المستقبل ماضيةٌ بالنسبة إلى الأجزاء المتقدِّمة بلا مِرْية، فيعبر عنها بالمُضِي لا محالة، لعبرتك المُضي، والاستقبال هناك، باعتبار تقصي تلك الأجزاء، وإن كانت جملتها مستقبلة باعتبار وقوعها في الخارج. وقد تَنبَّه له ابنُ الحاجب في قولهم: سِرت، حتى أدخلَ البلد. بصيغةِ المضارع، وقال: إنَّ الدخولَ مستقبلٌ بالنسبةِ إلى السَّير، وإن لم يكن بالنسبةِ إلى زمن المتكلم، ولكنه لم يتنبَّه له هو ولا غيره فيما قلنا، هذا ما فهمته، وراجع الأمثلة مع البسط في الرسالة.
(٢) قلتُ: وكنتُ مُتَحَيِّرًا فيه، فإِنَّ قوله: {مُتَوَفّيكَ} ليس في المائدة، فمن أين هذا التفسير؟ فرأيت في "الفتح"، قال الحافظ: هذه اللفظةُ إنما هي في سورة آل عمران، فكأن بعضَ الرواةِ ظَنَّها من سورة المائدة فكتبها فيها، أو ذَكَرها المصنِّف ههنا لمناسبةِ قوله: في هذه السورة: {فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي} ... إلخ. وحينئذٍ زال القَلَقُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>