للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قال: أحدكما كاذب، فهل منكما تائب؟ فاستعمال هذا اللفظ ليس لهوانه، وخفته، بل لعظمه عند الشرع، فهو لأجل انكشاف الحال، لا كما فهمه. ولذا عدل القرآن في المباهلة عن لفظ اللعان، وإن فسروها باللعان، لكن المباهلة في الأصل هو الدعاء.

قوله: (ففارقها) وقد تخبط الراوي فيه. وما بعده يدل على أن المراد به سنة التفريق، كما قال، فكانت سنة أن يفرق بين المتلاعنين.

قوله: (فأنكر حملها) ولا لعان عندنا بنفي الحمل (١)، لعدم تقرر سببه، فإن الحمل وجوده وعدمه لا يتحقق قبل الوضع، فلعله يكون انتفاخًا، أو داء آخر، فإن اضطر الزوج إلى اللعان، عليه أن يمسك عنه حتى تضع حملها، وقد تكلم ابن الهمام (٢) عن المذهب في "الفتح" ونقل عن أحمد أن تلك المرأة كانت وضعت حملها، والرواة فيه مضطربون، فذكر بعضهم اللعان، حال الحمل، وبعضهم بعد وضعه، وإذن في قوله: فأنكر بحملها، تسامح، وله جواب آخر، فصلته في مذكرتي.

فائدة: وقد استدل منه الطحاوي على مسألة قضاء القاضي بشهادة الزور، فاعلم أولًا أنهم قالوا: إن امرأة لو ادعت على رجل أنه نكحها، وأتت عليه ببينة، ثم قضى به القاضي، حل له وطؤها، فاعترض عليه الخصوم، بأن فيه تمكينًا للأجنبي من الأجنبية، وهو زنا؛ قلت: وأين هم من تخريج الحنفية، فإنهم قالوا: إن للقاضي ولاية عامة، فيقوم قضاؤه مقام العقد، حتى شرط بعضهم حضور الشاهدين أيضًا، وما ذلك إلا لتكون شاكلته شاكلة العقد بعينها، وإلا فحضور الشاهدين لا يشترط القضاء، وهذا القول، وإن كان مرجوحًا عندهم، إلا أني ذكرته لتتقدر فيه


(١) قال الطحاوي: مَذْهب أبي حنيفة أنه إذا نفى حَمْلَها لا يُلاعن، لأنه يجوز أن لا يكون حَمْلًا، ولهذا لو كانت أَمته حامِلًا فقالا لِعَبْده: إن كانت أَمَتي حامِلًا، فأنت حُرّ: فمات أبو العبد قبل أن تَضَع، لا يرثه العبدُ في قولهم جميعًا، فقد لا يكون حَمْلًا، فلا يستحق العِتْق. وإنما نَفَى النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - الولَدَ، لأنه عَلِم بالوحي وُجُودَه، ولهذا قال: "إنْ جاءت به كذا، فهذا لفلان" ... الحديث. اهـ. هكذا فكره المارديني، ثُم أخذ يُجيب عن الآيات التي تَرد على مَذْهبنا، ثُم نقل عن أبي بَكْر الرَّازي. قال: وإنما تُردُّ الجاريةُ بِعَيْب الحَمْل إذا قال النِّساء: هي حُبْلى، لأن الردَّ بالعيب ثبت مع الشُّبهةِ، كسائر الحقوق التي لا تُسْقطها الشبهةُ، والحدّ لا يجوزُ إثباتُه بالشبهةِ. اهـ. "الجَوْهر النَّقي".
(٢) قال الشيخ ابنُ الهُمام: وهلال لم يكن قذفها بِنَفْي الحمل، بل بالزنا. قال: وجدتُ شَرِيك ابنَ سُحْماء على بطنها، يزني بها. وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "انظروا، فإِن جاءت به كذا، إلى آخِر ما قدمناه. فانظره، كان إما لِعِلْمه صلَى اللهُ عليه وسلم بِحَمْلها من طريق الوَحْي، اْو لأن اللِّعان تأخَّر حتى ظهر الحَمْل: وكذا أنكر أحمدُ بن حنبل لِعانَ هلال بالحَمْل، قاله ابنُ الجوزي. على أن كونَ لعانِهما كان قَبْل الوضْع معارَضٌ، فقد قدمنا - في "الصحيحين" - عن ابن عباس ما يفيدُ أنه كان بعد وَضْعها، وهو قوله: فقال - صلى الله عليه وسلم -: "اللهم بين"، فوضعت شَبيهًا بالذي ذَكَر زوجُها أنه وجده عند أهله، فلاعن رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بينهما. فلا يستدلُّ بأحدهما بعينه، لأن التعارُض يوجِب التوقف، اهـ "فتح القدير"؛ قلتُ: لا ريبَ أنَّ الشيخَ ابنَ الهُمام بسط المسألة، وقررها أحسنَ تقرير، وجُلّ بَحْثه ما أومأ إليه الطحاوي، كما نقلنا عبارته عن "الجَوهر النقي" غير أنه لا بد من مراجعته أيضًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>