للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

والمضاف إليه ههنا للتمييز عن «حم التنزيل».

قوله: (قال رَجُلٌ لابنِ عَبَّاس: إني أجِدُ في القرآنِ أشياءَ تَخْتَلِفُ عليَّ) ... إلخ. وحاصله عِدَّةُ إشكالاتِ سُئل عنها ابنُ عباس:

الأول: أنَّ القرآنَ أخْبر بأنَّ الأنسابَ لا تَنْفَعُ في المحْشر، وأنه لا يقع فيها تساؤلٌ، فناقضه في مَوْضع آخر وأخبر بالتساؤل، والقِيل والقال، والبحث والجدال. فأجاب عنه أنهما ألوانٌ وأطوار، فتارة يرمون بالصِّمات، وتَحِقُّ عليهم كلمةُ الإِنصات، فلم تسمع لهما صوت، وحينًا يتساءلون فيما بينهم، فلا خلاف بين وقوع التساؤل ونفيه.

والثاني: أنّهُ يُعْلم من بعضِ الآياتِ أنَّ خَلْق الأَرْض مُقدَّم على خَلْق السماء، ومِنْ بعضِها بالعكس. والجواب أن نَفْسَ الأرضِ مُقدَّمةٌ على السماء، ودَحْوُها متأخِّرٌ عن تسويةِ السموات، فهي متقدِّمة من وَجْه، ومتأخِّرة من وَجْهٍ، فصح الأمران.

قلتُ: وهذا الجوابُ غيرُ تامَ، كما أشار إليه في «جامع البيان» في تفسير سورة النازعات. وتعرَّض إليه الشاه عبدُ القادر في ثلاثة مواضع، ولم يأت بما يشفي الصدور، نعم تعرض إليه الشاه عبد العزيز في «فتح العزيز» وهو مُفيدٌ. وحاصِلُ ما ذكره أنَّ مادة الأرضِ والسموات كانتا مُخْتلِطَتَين أَوّلًا، فميز الله سبحانه بينهما، ثُم سَوَّى السموات، ثُم دحا الأرض. فتسويةُ السمواتِ بعد مادتها، ودَحْوُ الأرض بعد تسويةِ السماء.

والثالث: أن صِفاتِ الله تعالى أَزَليَّةٌ، فكيف تستقيمُ صِيغُ الماضي في نحو قوله تعالى: {وَكَانَ اللهُ عَزِيزًا حَكِيمًا}. قلتُ: ولم أتحصّل الجوابَ من ألفاظه التي عند البخاري، وذلك لعدم إدراكِنا مصطلحاتِ السَّلَف، ولعل مرادَه أن تلك الصِّيغ وإن كانت للمُضِي، لكنها إذا استعملت في الصِّفات الإِلهية تكون لإِفادة مُضِي التسمية فقط. فلا تَخالُفَ بين قِدَم الصفات، وصِيغ الماضي (١).

وحاصل الجواب أن الاسمَ قدِيمٌ، والتسمية به ماضٍ. ولاحظ هناك مسألةَ التكوين أيضًا، فإِنَّ الأشاعرة أنكروها، وزعموا أن في تَعلُّقِ الصِّفات السَّبْع غناءً عن القَوْل بصفةِ التكوين، وإليه مال ابنُ الهُمام في «المسايرة» و «التحرير»، وحينئذ تكون أسماؤه تعالى كلُّها انتزاعيةً عندهم، والماتريدية أدرجوها تحت صفةِ التكوين، فيكون اسمه «العزيز» و «الحكيم» أيضًا داخِلًا تحت التكوين، ويستقيمُ أسلوبُ القرآن، ولكنه لا بد أن يقال: إن تلك الأسماءَ قديمةٌ، نعم تعلُّقاتها حادِثة.


(١) قلت: وليراجع تفسيره، فإِنَّ الكلام في حَيِّز الخفاء بعد، ولم أجد فرصةً للمراجعة، وليراجع "مُشْكلات القرآن" للشيخ.

<<  <  ج: ص:  >  >>