للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

انضمامِ مقدِّمة عقبيةٍ أُخْرى. أما الآية، فلم تُخْبر إلا بالغايةِ أنها العبادةُ، وذلك معلومٌ عند الخواص والعوام، لا ينازع فيه أحدٌ، وإنما نشأ الإِشكالُ من جهةِ العَقْل، وهو تخلُّف غايتِه تعالى. ولك أن نقول: إن الغايةَ إما تشريعيةٌ، أو تكوينيةٌ، والمحال هو تَخلُّف الغايةِ التكوينيةِ دون الشرعية، والمتخلفة هي الغايةُ الشرعية دون التكوينية. فإِنَّ العبادة غايةٌ شرعيةٌ لا تكوينيةٌ. وأجاب عنه الشاه رفيعُ الدِّين أنها غايةُ النوع لا للأشخاص، فحينئذٍ لا بد أن لا يخلو نوعُ الإِنسان عن العبادة. أما وجودُها في سائر أفرادِه فغيرُ لازم، نعم إذا خلا النوعُ بِأَسْره عن الغايةِ يَنْقَرض العالم أيضًا، ويضرب عليه بالرحيل (١).

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

٥٢ - سُورَةُ الطُّورِ

وَقالَ قَتَادَةُ: {مُّسْطُورٍ} [٢] مَكْتُوبٍ. وَقالَ مُجَاهِدٌ: الطُّورُ: الجَبَلُ بِالسُّرْيَانِيَّةِ. {رَقّ مَّنْشُورٍ} [٣] صَحِيفَةٍ. {وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ} [٥] سَماءٌ. {الْمَسْجُورِ} [٦] المُوقَدِ، وَقالَ الحَسَنُ: تُسْجَرُ حَتَّى يَذْهَبَ ماؤُهَا فَلَا يَبْقَى فِيهَا قَطْرَةٌ. وَقالَ مُجَاهِدٌ: {أَلَتْنَاهُمْ} [٢١] نَقَصْنَا. وَقالَ غَيرُهُ: {تَمُورُ} [٩] تَدُورُ، {أَحْلَامُهُمْ} [٣٢] العُقُولُ.

وَقالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {الْبِرَّ} [٢٨] اللَّطِيفُ. {كِسَفًا} [٤٤] قِطْعًا. {الْمَنُونِ} [٣٠] المَوْت.

وَقالَ غَيرُهُ: {يَتَنَازَعُونَ} [٢٣] يَتَعَاطَوْنَ.


(١) قلتُ: وقد تتحدّث نفسي بأن ما يجب تَحقُّقُه هو وجودُ تلك الغايةِ قبل انقراض العالم، لا وجودُها في كلِّ عصر وزمان، وبالله الذي لا إله إلا هو لا تفنى الدنيا ما لم يدخل الإِسلام في كل بيت مَدَر وَوَبَر، ويكون الدين كلّه لله، فذلك كائن لا محالة قبل اختتام نشأة الدنيا، وإذا تحققت الغايةُ حان الرحيل، فما ترى في الفيج الأعوج، فهذه كلُّها كالمبادىء لتلك الغايةِ، فإِذا صلح العالم بعد هياط ومياط لتلك الغاية يُقْضى الأمر. ألا ترى أنَّ الغايةَ تكون الخبز فقط، ثم ماذا تجمع لها من الأسباب، تجمع له الحطب وتوقد النار، وتعجن العجين. ومَن لا يدري لا يفقه المناسبةَ بين إحراق الحطب، وبين الخبز، والعاقل يدري أن كلَّ ذلك تمهيد للخَبْز، فلا تزال تزاول أسبابها من طلوع الشمس إلى أن يشتد النهار، حينئذ ترى غايتك مقبلة إليك، فتبتهج في نفسك، فإِذا حصلت تطفىء النار، وتخرج عن كل ما كنت تزاولُه. فهكذا فَلْيُقَس في أَمْر العبادة، أنَّ الدنيا منذ بدأت ذاهبةٌ إلى تحصيل تلك الغاية، حتى إذا آن أن تثمر شجرتُها، ختمت النبوة، وتبقى المبشرات، وكذلك لما جاء نصرُ الله والفتح، وتمت غايةُ بعثةِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وأذن بالرحيل، حتى إذا لم يبق إلا حثالة من الناس، تقوم عليهم الساعة؛ وبالجملة تلك الغايةُ تدريجيةٌ لا دفعية، ليلزم حصولُها في كلِّ عَصْر وزمان، بل الإِنسان والجنّ يتدرّجان إليها، فإِذا حصلت تقومُ عليهم الساعة، والله تعالى أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>