للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بعدهما. وتَعرَّض صاحب «الهداية» إلى حِكْمة التراخي، وراجع «بداية المجتهد» لابن رشد (١).

٤٩٠٨ - قوله: (فتلك العِدَّةُ، كما أَمَره اللهُ) ... إلخ. إشارةٌ إلى قوله: {فَطَلّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} واستدل (٢) منه الشافعية على كونِ القروء بمعنى الأَطهار، فإِن التطليقَ في الطُّهر بالإِجماع، وقد جعله القرآنُ عِدّةً لهن، فدلّ على أنَّ العِدّة بالأطهار. وأجاب عنه الزَّمْخَشريُّ: أنَّ اللام فيه للاستقبال، فيكون التَّطْلِيقُ في الطُّهر، وعِدّتها بَعْدَه في الحَيْض، وتؤيدُه قراءة: «قبل عدتهن». والجواب عندي (٣): أنَّ العِدّة عِدَّتان: عِدّة الرجال، وهي للتطلِيق؛ وعدَّة النِّساء، وهي للتربُّص، كما في «المبسوط». والمذكور في الآية عِدّة الرِّجال - كما أشار إليه الطحاوي - دون عِدَّة النساء، وهي في قوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: ٢٢٨]، فالرِّجال أُمِرُوا أن ينظروا متى يُطلِّقُوها، وهو الأَطْهار، والنِّساء أُمرن: أن يتربَّصْن بأنفسهن ثلاثةَ حِيض، واللام فيه للظرفية، ولذا خاطب في «سورة الطَّلاق» الرجال، وقال: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ}، وفي «سورة النساء» النِّساء، فقال: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ} ... إلخ. وبالجملة قَسَم العِدَّة بين الرِّجال والنِّساء في السورتين، وبيّن لهما ما كان عليهما مِن إحصاء عِدّتهما.

٤٩٠٩ - قوله: (فقال ابنُ عباس: آخِرُ الأَجَلَيْن) ... إلخ. والسَّلَف مُخْتلفون بين آيةِ عِدّة الحاملة، وآية عِدّة المُتوفَّى عنها زَوْجُها: فمنهم مَنْ ذهب إلى أنَّ بينهما عُمومًا وخصوصًا مِن وَجْه؛ والجمهور إلى أنَّ وَضْع الحَمْل هو العِدَّة، سواء كان قريبًا أم بعيدًا، وهو مذهبُ ابن مسعود.


(١) قال ابنُ رُشْد: وأما المسألة الثالثة: وهي متى يوقع الطلاق بعد الإِجبار؟ فإِنَّ من اشترط في ذلك أَنْ يُمْسِكها حتى تطهر، ثُم تحيض، ثُم تطهر، فإِنما صار لذلك، لأنه المنصوص عليه في حديث ابن عمرَ المتقدّم. قالوا: والمعنى في ذلك لِتصحَّ الرَّجعة بالوطء في الطُّهر الذي بعد الحيض، لأنه لو طَلَّقها في الطُّهر الذي بعد الحَيْضة لم يكن عليها من الطلاق الآخر عِدّة، لأنه كان يكون كالمُطَلِّق قبل الدخول؛ وبالجملة فقالوا: إنَّ مِن شَرْط الرَّجْعة وجودَ زمانٍ يَصِحُّ فيه الوطءُ، وعلى هذا التعليلِ يكون من شروط طلاقِ السُّنة أن يطلِّقها في طُهر لم يطلِّق في الحيضة التي قبله، وهو أَحَدُ الشروطِ المُشْتَرطة عند مالك في طلاق السُّنة، فيما ذكره عبد الوهاب؛ وأما الذين لم يشترطوا ذلك، فإِنهم صاروا إلى ما رَوى يونس بن جبير، وسعيد بن جبير، وابن سيرين، ومَنْ تابعهم عن ابن عمر في هذا الحديث، أنه قال: يراجعها، فإِذا طَهُرت طلقها إنْ شاء، وقالوا: المعنى في ذلك أنه أُمر بالرجوع عقوبة له، لأنه طَلّق في زمانٍ كُرِه له فيه الطلاق، فإِذا ذهب ذلك الزمان، وقع منه الطلاقُ على وَجْه غير مكروهٍ. فسببُ اختلافهم تعارُضُ الآثارِ في هذه المسألة، وتعارض مفهوم العِلّة. اهـ "بداية المجتهد".
(٢) وقد قَرّره ابنُ رشد في "بداية المجتهد".
(٣) وسيأتي تحقيقه في كتاب الطلاق أبسط منه إن شاء الله تعالى.

<<  <  ج: ص:  >  >>