للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الموصول إلى ما قسموا إليه اللام من الجنس، وغيره. واعلم أنَّ حقيقةَ الغَيْب لا يعلَمُها إلَّا الله سبحانه، أو مَنْ أراد أن يظهره عليه، فإذا كانت تلك الحقيقةُ بجنسها مختصةً بحضرته تعالى، فإِذن تَحَقُّقُ فَرْدٍ، منها في غيره تعالى لا يكون إلَّا خَرْقًا للعادة، والكلام في مثله يجري على الإِبهام والإِجمال، وتفصيله: أنَّ التعرّض إلى الكُلّ، أو البعض إنما يُناسِب في مَحلِّ يختلف فيه الحُكْم بين الكلّ والبعض، أما إذا لم يختلف الحكم بينهما، فالتعرّض إلى كلِّه أو بَعْضِه لَغْوٌ، بل ينبغي أن يَرِد فيه الحُكْم على نَفْس الجِنْس، كالغَيْب مَثَلًا، فإِنَّ بَعْضَه أيضًا خارِقٌ للعادة مِثْلُ كلّه، فالتعرض فيه إلى بيان بَعْضِه أو كُلِّه لَغْوٌ.

إذا علمت هذا، فاعلم أنَّ الله سبحانه منّ على نبيه صلى الله عليه وسلّم بأَلْف أَلْف غُيوب، لا يدري قَدْرَها إلَّا هو، إلا أَنَّ بَعْضَه لما كان خَارِقًا نحو كلّه، لم يتعرّض إلى كُلِّه، أو بَعْضِه، وذكره بالموصول المفيد لمعنى الجنس. ومَنْ لا يدريه من الأغبياء يجعل الجِنْس مُستغرقًا، ويَزْعمُ أنه لم يبق من الغيب شيءٌ إلا قد أعطاه إياه، وتلك غباوةٌ رَكبها مِن عند نفسه، فليركبها: {وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُورٍ} (١).

قوله: ({عَلَّمَ بِالْقَلَمِ}) والقلم والقراءة ههنا على نَحْو ما يُعْطى الغلامُ من أدوات الكتابة، ويَحْضُر في المدرسة بين يدي أستاذه، وقد أشبعنا الكلامَ في أجزاء الحديث في أَوّل الكتاب.

٥ - باب قوله تعالى: {كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ (١٥) نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ (١٦)} [العلق: ١٥ - ١٦]

٤٩٥٨ - حَدَّثَنَا يَحْيَى حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِىِّ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ أَبُو جَهْلٍ لَئِنْ رَأَيْتُ مُحَمَّدًا يُصَلِّى عِنْدَ الْكَعْبَةِ لأَطَأَنَّ عَلَى عُنُقِهِ. فَبَلَغَ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ «لَوْ فَعَلَهُ لأَخَذَتْهُ الْمَلَائِكَةُ». تَابَعَهُ عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ. تحفة ٦١٤٨


(١) قلتُ: وهو شاكِلةُ قوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث رؤية الربِّ: "فعلمت ما بين السماوات والأرض"، فإِن جنسه لما كان أَمْرًا خارِقًا ذكره بالإِبهام. فإِن غيره، بل هو نفسه قبل وَضْع اليد لم يكن يعلم ما الذي يختصم فيه الملائكةُ، فكان جِنْسه مجهولًا، فلما وَضَع الربُّ تبارك وتعالى يَدَه الكريمة، تجلَّى له كُلُّ شيء من هذا الجنس، واليه أشير في الحديث في تفسيرها بالكفارات والدرجات، وأما ما لا تَعلُّق له بعلوم الأنبياءِ عليهم السلام، فلا ذِكْر له فيه، ولا نُنْكر أن يكون أعطى من هذا النوع أيضًا، لكنا نتكلم في الإِحاطة والاستغراق، فحاشا لله أن يساويه أحَدٌ مِن خَلْقه في ذاته، أو صِفةٍ من صفاته، والعياذ بالله من الزيغ والجهل.

<<  <  ج: ص:  >  >>