للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أقل من عشرةِ دراهمَ. إلا أنَّ في إسناده حجاجَ بن أَرطاة، وحَسّن الترمذيُّ حديثَه في غير واحد مِن المواضع من كتابه، وإن كان المحدِّثون لا يعتبرون بتحسينه، أما أنا فأعتمد بتحسينه، وذلك لأنَّ الناس عامّة ينظرون إلى صورةِ الإِسناد فقط، والترمذيُّ ينظر إلى حاله في الخارج أيضًا، وهذا الذي ينبغي، والقَصْر على الإِسناد فقط قصور، والطَّعْن فيه أنه كان يَشْرب النبيذ.

قلتُ: ولا جَرْح به عند أهل الكوفة، فإِنه حلالٌ عندهم. وقالوا أيضًا: إنَّه كان مُتكبّرًا؛ قلتُ: دعوها، فإِنها كلمةٌ مُنْتِنة، واتركوا سائرَ الناس عز وجل. وقالوا: إنه كان يَترك الجماعة؛ قلتُ: نعم هذا الجرح شديدٌ، إلاّ أنه نُقل عن مالك أنه لم يأت المسجدَ النبويَّ إلى ثلاثينَ سنةً، فَسُئل عنه. فأجاب: أنَّ كلّ أَحَدٍ لا يقدر على إظهارِ عُذْره، فحسنه العلماءُ على جوابه، كما في «التذكرة»؛ قلتُ: نعم، وذلك لأنه كان إمَامًا عظيمًا أَتَاه الله عِلْمًا وحِكْمة، وقَبولًا، فنكسوا رءوسهم. أما الحَجّاج فكان رَجُلًا من الرجال، فتكأكأوا عليه كالتكأكؤ على ذي جِنّة.

ثُم الشيخُ ابنُ الهُمام أتى بحديثٍ في تقدير المَهْر في باب الكفاءة، وهذا من زياداتِه على الزَّيلعي، وقد زاد عليه في موضع آخَر، وإلَّا فجميع كتابِه مأخوذةٌ من الزَّيلعي، ولم يأت عليه بشيءٍ جديدٍ، ونقل الشيخُ تصحيحَه عن الحافظ بُرْهان الدِّين الحَلَبي، إلا أنه لم يكن عنده إسنادُه، ثُم ذكر الشَّيخ ابنُ الهُمام أنَّ بَعْضًا من أصحابه جاء بسندِه (١) من عندِ الحافظ ابنِ حَجَر، والحديث بذلك السَّند ليس أَقلَّ من الحَسَن. قلتُ: وأَكْبر ظَنِّي أن هذا البَعْضَ الذي جاء بسنده، - هو تلميذُه ابنُ أمير الحاج - وهو نِصاب القَطْع، في باب السَّرقة عندنا (٢).


(١) قلتُ: وهذه صورةُ ما ذكره الشيخ ابنُ الهُمام لإِسنادِ حديثِ المَهْر، قال: ثُم وجدنا في شَرْح البخاري للشيخ بُرهان الدِّين الحلبي: ذَكَر أن البغوي قال: إنه حَسَنٌ، وقال فيه: رواه ابنُ أبي حاتم من حديث جابر عن عمرو بن عبد الله الأوْدي بِسنده. ثُم وجدنا عند بَعْضِ أصحابنا صورةَ السَّند عن الحافظ قاضي القضاة العَسْقلاني، الشهير بابن حجر. قال ابنُ أبي حاتم: حدثنا عَمْرو بن عبد الله الأودي: حدثنا وَكيع عن عَبَّاد بن منصور، قال: حدثنا القاسم بن محمد، قال: سَمِعت جابرًا رضي الله عنه يقول: قال: سمعتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ولا مَهْر أَقلُّ من عشرة ... الحديث الطويل. قال الحافظ: إنه بهذا الإِسناد حَسَنٌ، ولا أَقَلّ منه. اهـ كذا في "فتح القدير" في فَصْل الكفاءة.
(٢) قال الخطّابي في "المعالم": وقال أصحابُ الرأي: أقلّه عشرةُ دَراهمَ، وقَدّروه بما يُقطع فيه يدُ السّارق عندهم، وزعموا أنَّ كلَّ واحدٍ منهما إتلافُ عُضو. اهـ وذكر ابنُ رُشْد: قال ابن شُبْرُمة: هو خمسةُ دراهم، لأنّه النصاب عنده أيضًا في السَّرِقة، ثُم قال ابنُ رُشْد: وقد احتجَّت الحنفيةُ بما رُوي عن جابر مرفوعًا: أنه قال: لا مَهْر بأقلَّ من عشرةِ دراهمَ، ولو كان هذا ثابتًا لكان رافِعًا لموضِع الخلاف. اهـ: "بداية المجتهد". قلتُ: وقد عَلِمت تحسينَ هذه الروايةِ آنِفًا، وراجع كلام ابن رُشْد مُفَصّلًا، فإِنّ فيه فوائد.

<<  <  ج: ص:  >  >>