للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

يَأْتِى أَهْلَهُ بِاسْمِ اللَّهِ، اللَّهُمَّ جَنِّبْنِى الشَّيْطَانَ، وَجَنِّبِ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا، ثُمَّ قُدِّرَ بَيْنَهُمَا فِى ذَلِكَ، أَوْ قُضِىَ وَلَدٌ، لَمْ يَضُرَّهُ شَيْطَانٌ أَبَدًا». أطرافه ١٤١، ٣٢٧١، ٣٢٨٣، ٦٣٨٨، ٧٣٩٦ - تحفة ٦٣٤٩ - ٣٠/ ٧

٦٨ - باب الْوَلِيمَةُ حَقٌّ (١)

وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: قَالَ لِى النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم -: «أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ».


(١) وفي المقام مباحث، تعرض إليها ابنُ العربي، ونأتيك ببعضها. قال: الأطعمةُ السندسية طعامُ الأملاك. الوليمة: طعامُ العُرس. الخرس: طعام الولادة؛ العَقِيقة: طعام حَلق رأس المولود؛ الغزيرة: طعام الخِتان؛ الوضيمة: طعام الخاتم؛ النقيعة: طعام القادم من السفر؛ الوكيدة: طعام بناء الدار؛ النجعة: طعام الزائر؛ الترل: ما يقدم قبل الطعام؛ المائدة: كلّ طعام يُدعى إليه ما كان؛ الأحكام فيه فيها عشرونَ مسألة:
الأُولى: الوليمة حَق، قد بينا في مواضع معنى الحق، منها ما تقدم في هذه العارضة، وأراد بالحقِّ ههنا الواجب، كما قال في المتعة حق. وأراد بالحقية في الوليمة حَقية المكارمةِ والأُلفة والاستحباب، لا طعام الفرضية. وقد واظب النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عليها مواظبة أدخلتها في السُّنة.
الثانية: في قَدْرها: ليس فيها حدْ، وقد أَولم النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بشاة على زينب، وهي أكبرُ وليمة. وفي "الصحيح" أنه أَوْلم على بعضهن بِمُدَّين من شعير. وروى أبو عيسى حديثَ وليمته على صفيةَ بسويق وتمر في السفر.
الثالثة: أنه يُولم في السَّفر، كما يولِمُ في الحضر، وليس من القربات التي يؤثر السفر في إسقاطها.
الرابعة: هل إجابةُ الدعوة لازمٌ أم لا؟ فيه أقوال:
الأول: أنه واجبٌ على العموم في كلِّ دعوة، قاله المبتدع عُبيد الله بن الحسن العنبري، وتابعه مثله؛ الثاني: أنه تَجِب، الإِجابة في العُرْس خاصْة، وهو ظاهر كلام الشافعي، وغيرها من الأطعمة، وكيد، ولا أعصيه كما أعصيه في وليمة العُرْس. ورأيت أصحابنا يحكون أنْ مالِكًا يوجِب إجابة دعوة الوليمة. وحديث ابن عمر الذي صححه أبو عيسى: "ائتوا الدعوةَ إذا دعيتم"، ورُوي: "أجيبوا الدعوةَ". وقد روى مالك عن أبي هريرة: "شَرُّ الطعام طعامٌ يُدعى له الأغنياء، ويترك المساكين. ومَنْ لم يجب الدعوة، فقد عصى اللهَ ورسولَه". وقوله: "أولم، ولو بشاة"، إيجابُ الوليمة، فإذا وجبت الوليمة، فقد وجبت الدعوةُ. وقد تعلّق البخاري في ذلك بقوله في "الصحيح": فكوا العاني، وأجيبوا الداعي، وعُودوا المريض". وذكر عن البراء بن عَازِب: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بِسَبع: فذكر إجابةَ الداعي. وهذه كلها ظواهر، منها ما يختص بالوليمة، ومنها ما يَعُم كلَّ دعوة.
قال ابنُ العربي: أما الذي يَصحّ في هذا كلَّه عند النظر -والله أعلم-: أن إجابة الدعوة واجِبةٌ إذا خلصت نيةُ الداعي، وخلصت وليمتُه عما لا يرضى الله، ولما عُدِم هذا سقط الوجوب عن الخَلْق، بل حرم عليهم، على ما يأتي بيانه إن شاء الله، فلا معنى للإِطناب في ذلك، وعن هذا عَبر أبو هريرة، بقوله: "شَرُّ الطعام طعامُ الوليمة، يُدعى له الأغنياءُ، ويترك المساكين". فهذا ابتداءُ الفساد، وأعقب ذلك بقوله: "ومَن لم يجب الدعوةَ فقد عصى اللهَ ورسوله". وهو كلامُ أبي هريرة، لاعتقاده -كما بينا- أنَّ الأمر على الوجوب. فأمّا قولُهم: شَرُّ الطعام، فإنه قد أَسْنده جماعةٌ، وقد بَينه الخطيبُ أبو بكر في كتاب "الفصل والوصل"، والإِشكال في أنه من قول أبي هريرة، ولو كان من قولِ النبي - صلى الله عليه وسلم -، كما روى مَعْمر عن الزهري وغيره، لكان من المعجزات، لأنَّ الأمر كذلك وقع بعده. الثانية: أنه قال: "أجيبوا الداعي"، وهذا عامٌّ، ومن الدعوات من تكون إجابته فَرْضًا، ومنه ما تكون مستحبةً، على قَدْر حال المَدْعو إليه، فقد يدعو للنصر مظلومًا، ولدفع الخلة محتاج؛ وللوليمة، وليست لهما. وقد جمع النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - في ذلك بين أمورٍ سبع: منها الواجب، ومنها المندوب، ويأتي بيانها في موضعها إن شاء الله. =

<<  <  ج: ص:  >  >>