للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ولنا ما عند أبي داود: «من استجمر فليوتر من فعل فقد أحسن، ومن لا فلا حرج» ... إلخ. والإِيتار بإِطلاقه يشمل الثلاث فما فوقه.

أما استدلال صاحب «الهداية» منه على نفي سُنِّية العدد بأن الإِيتارَ يحصُل من الواحد أيضًا فغير ناهِضٍ، لأنَّا لو حملنا الإِيتارَ على الواحد أيضًا. لَزِمَ نفي الاستنجاء رأسًا، لأنه إذا كان الواحدُ أيضًا تحت الاختيار فقد آل الخيار إلى نفس الاستجمار، مع أنه واجب اتفاقًا وهو كما ترى. علم أنه لم يثبت عنه صلى الله عليه وسلّم الاكتفاء بالواحد، فحملَهُ على الواحد مَشْيٌ على مجرد اللفظ. وكذا حُمْلُ البيهقي على ما فوق الثلاث إبطالٌ لغرض الشارع وإخلاءُ الشيء من نوعه.

والذي تحصَّل لي من روايات هذا الباب، هو أنَّ مقصودَ الشارعَ هو الإِقلاعُ وإِزالةُ النجاسات، والثلاثُ يجزىءُ عنه في الأغلب، فجاء ذِكرهُ لهذا. والوِتريةُ مطلوبةٌ في الأحوال كلِّها، فَرُوعِيَت في هذا الباب أيضًا. ولما كان الثلاث فيه الاجتزاء والوِترية معًا كَثُرَ ذكره في الأحاديث، فَذِكرُ الثلاث لكونه قالعًا ومُجْزِئًا لا لكونه واجبًا. ويشهدُ له ما أخرجه أبو داود عن عائشة رضي الله عنها: فليذهب معه بثلاثة أحجار، فإنَّها تُجزىءُ عنه. فأشار إلى أنَّ المطلوبَ هو الإِنقاء والاقلاع، والتثليثُ بعينه للإجزاء.

وأما أن الوِتريةَ مطلوبةٌ فلما ورد: «ءن الله وِترٌ يحبُّ الوترَ» وحينئذٍ حُمِلَ قوله: «فليوتر» على ما فوق الثلاث ابتداءً، كما حَمَله البيهقيُّ إعدامٌ لغرضِ الشارع، فإنَّه لم يَرِد به الثلاثُ فما فوقه لكونه عددًا مخصوصًا، بل أراد الوترية وجعلها مقصودَة. نعم، الثلاث محبوبٌ لكونه أقرب إلى الطهارة ولتحقُّقِ الوِترية فيه.

ثم العجب منهم حيثُ وردَ ذلك العددُ بعينه في كثير من الأحكام فلم يَرَوه واجبًا ففي الحديث: «أما الطِّيبُ فاغسُلْه عنك ثلاث مرات» قال النووي: إنما أمر به مبالغة في الإِزالة فإِن حصلت بمرة كفَتْه. في غير واحد من الموضع، وهو المُتَمَسَّك للحنفية في عدد الثلاث للتطهير في النجاسات الغير المرئية، وأما في المرئية فيكتفي عندهم إزالتها ولا عدد فيها.

وبعبارة أخرى إنَّ الشريعة إذا وردت بالإِيتار أعلنت معه بالاختيار، وقالت: من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج. وإذا وردت بالتثليث ذكرت معه الإِجزاءُ والاكتفاء، وهو قوله: فإِنَّها تجزىء عنه، فخرجَ أنَّ التثليثَ أيضًا مستحبٌ كاستحباب الإِيتار، وإِنْ كان التثليثُ للإِجزاء والإِيتارُ لتحصيل الوِترية، وصار إجزاء التثليثِ واستحبابُ الإِيتار مشروحين بالحديث بدون كُلفة، وخرج الوجوبُ من البين.

قوله: (هذا رِكْس) وقد وقع عند ابن ماجه بدله: «رجس» وفي النهاية: الركس شبيه المعنى بالرجيع. قال تعالى: {اركسوا فيها} [النساء: ٩١] أي ردوا. وقال ابن سيد الناس: رِكس كقوله: رجع، يعني نجسًا، لأنَّها أركست أي رُدَّت في النجاسة بعد أن كانت طعامًا. وقال الخطَّابي: الرِّكس: الرجيع من رَجَعَ من حالة الطهارة إلى حالة النَّجاسة. وفي رواية «رَكيس»

<<  <  ج: ص:  >  >>