للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أيضًا، كما هو ظاهر، وإذن ينبغي أن تكون تلك مسافةَ الجنةِ فقط، والجَنّة سَقْفُها العَرْش، وقاعدتُها السماءُ السابعة، فتلك المسافةُ من مقعر العَرْش إلى سطح السماء السابعة؛ وقد قررنا ذلك مِن قَبْل أيضًا، وكذا إنَّ المسافةَ من مقعر العَرْش إلى الفلك السابع علاقة الجنة، وأما السموات السبع والأرضون كذلك، فهي علاقةُ جهنَّم، تُسجّر فيها جهنم، فكأن الآخرة فوق السموات، وتلك هي الدنيا. ولذا أرى: القرآنُ متى يذكر الاندكاكَ والانفطار يَخصُّه بالسموات، والجبال وغيرها ولا يذكر لما فوقها شيئًا (١).

أما قوله تعالى: {وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ} [الحج: ٤٧] فحقّ العربية فيه عندي، أنَّ معناه ما يُعَدّ عند رَبِّك يومًا ينبسط بعينه في تلك الدار على ألف سنة، فإِن البساطة تُناسِب الحضرةَ الإِلهية، فيكون عنده يومٌ، وعندنا ألفُ سَنة. وأما على ما فَهِمه الناس من مراده، فينبغي أن يكون الكلامُ هكذا: وإنّ ألفَ سنة يومٌ عند ربك. وراجع له الفَرْق بين قولهم: زَيْدُ الأمير، والأميرُ زَيْد، بل أقول: إنَّ الزمان من الأَزَل إلى الأبد لمحةٌ عند رَبِّك، لأجل البساطة في حضرته تعالى.

٥١٩٦ - قوله: (وقُمْتُ على بابِ النَّار، فإِذا عامّة مَنْ دخلها النِّساءُ) وقد مَرّ معنا أنَّ مشاهدته تلك ليست كُلِّيةً، بل مشاهدةٌ جزئية تقتصر على هذه الحال فقط. ويؤيدُه ما عند البخاري: «اطلعت في الجنة فرأيتُ أكثرَ أهلِها الفقراء، واطلعت في النار فرأيتُ أكثر أهلها النساء» اهـ. ففيه إشعار بأنها مشاهدتُه إذ ذاك، ولو أراد الضابطةَ الكلية لقال: «الرِّجال»، بدل: «الفقراء»، ليستقيم تقابُلُه بالنساء، ولكنه ذَكَر الفقراء من جانب، وذكر النِّساء من جانب، فظهر أنه لم يُرِد بيانَ الضابطة.

٨٩ - باب كُفْرَانِ الْعَشِيرِ وَهْوَ الزَّوْجُ، وَهْوَ الْخَلِيطُ، مِنَ الْمُعَاشَرَةِ

فِيهِ عَنْ أَبِى سَعِيدٍ، عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم -.

٥١٩٧ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ خَسَفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَالنَّاسُ مَعَهُ، فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلًا نَحْوًا مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا


(١) قلتُ: ولا يزعُمنّ جاهِلٌ: أن الشيخ كان يُنْكر خَلْق الجنة أو النّار، حاشا وكلا، بل كان يقرّ بهما على صِفَتَيْهما عند أهل السنّة والجماعة، إلا أنه قد كان يَتكلّم على طريق أرباب الحقائق، ولا بُعْد على طَوْرهم أن يكون هذا الحَيّزُ الذي نحن فيه الآن حَيّزًا لجهنم غدًا، كيف! وقد سمعناه مِرارًا ينبه عليه، ويقول: لا تنسبوا إلى ما لم أُرِد، فإِنَّ الجنة مخلوقةٌ عندي، والنار كذلك، وهكذا الجنة تزين في كل رمضان، والنار أيضًا توقد في زمانه، فكيف يناسب أن يُعْزا إليه بما صَرّح بخلافه، ولكنَّ الرجل إذا تكلم في فَنِّ، فعلى مخاطِبه أن يَفْهمه من ذلك الفنّ، ونعوذ بالله من زَيْغ الزائغين، وانتحالِ المُنْتحِلين.

<<  <  ج: ص:  >  >>