للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الحكايةِ والمَحْكي عنه في الصّفة أيضًا ليس بضروري، يمكن أن يكون طَلّقها في الخارج متفرِّقًا، وعبر عنه الراوي ثلاثًا، أخذًا بالحاصل، ولا بُعْد فيه. ولأنها (١) لما وَقعت الفُرْقة بنفس اللِّعان - كما هو مذهبُ الشافعي - لم يصادف تطليقُه إياها محلَّه، فكان هَدْرًا، فلم يعبأ بها. وإذَن لا تقرير فيه أيضًا، فإِنه لو صادف مَحلّه، ثُم سكت عليه النبيُّ صلى الله عليه وسلّم لكان تقريرًا منه، وأما إذا كان فِعْلُه عَبثًا، وتطليقه كالعَدم، فأغمض عنه، وأما ثالثًا: فبأن الفُرقة وإن لم تقع عندنا بنفس اللعان، لكنها قد استحقّتها، وعلى شرف منها، ومعلومٌ أنها لا سبيلَ لها إليه بعد اللِّعان، ففي مِثْله يجوز تطليقُه ثلاثًا عندنا أيضًا، لأنه إذا انقطع احتمالُ العَوْد، ولم تبق مَظِنّة الرجوع، فلا بدعة في تطلِيقِها ثلاثًا. واستنبطت ذلك مما رُوي عن محمد أنّ الخُلْع في الحَيْض جائز، مع كونِ الخُلْع طلاقًا بائنًا، وهو بِدْعة، ولا سيما في الحَيْض، فإِذا جاز البائن في الحَيْض عند تحتم عدم الرجوع، جاز الثلاثُ أيضًا بجامع يأسِ الرَّجعة فيهما، فلا فَرْق، إلاّ أن هذا بائنٌ خفيفًا، وذلك غليظًا، وليس بفارق. وقد ذكرناه من قبل مَرّتين، ففكر فيه.

٥ - باب مَنْ خَيَّرَ نِسَاءَهُ

وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا} [الأحزاب: ٢٨].

٥٢٦٢ - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ حَدَّثَنَا أَبِى حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتْ خَيَّرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَاخْتَرْنَا اللَّهَ وَرَسُولَهُ، فَلَمْ يَعُدَّ ذَلِكَ عَلَيْنَا شَيْئًا. طرفه ٥٢٦٣ - تحفة ١٧٦٣٤

٥٢٦٣ - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا عَامِرٌ عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ سَأَلْتُ عَائِشَةَ عَنِ الْخِيَرَةِ، فَقَالَتْ خَيَّرَنَا النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - أَفَكَانَ طَلَاقًا قَالَ مَسْرُوقٌ لَا أُبَالِى أَخَيَّرْتُهَا وَاحِدَةً أَوْ مِائَةً بَعْدَ أَنْ تَخْتَارَنِى. طرفه ٥٢٦٢ - تحفة ١٧٦١٤

وللاختيار عندنا أَحْكامٌ، ذكرها الفُقهاء في فصل مُستقلّ، وذهب (٢) بعضُ السّلف أن في اختيارها الزوج أيضًا طلاقًا، وليس مَذْهبًا للجُمْهور.


(١) وقد مَرّ نحوه عن ابن رُشْد: "بداية المجتهد"، وقد ذَكَرْنا عبارته في سورة النور، وذكر نحوه العلاّمَة المارديني، قال: مذهبهم أن الفُرقة بنفس اللِّعان، فطلق في غير موضع الطلاق فلم يصادف نفاذًا، ولا محلًا مملوكًا، لأنه طَلّقها وهي بائن منه. والشافعيّ لا يلحق البائن لبائن، فلذلك استغنى عليه الصلاة والسلام عن الإِنكار عليه. اهـ "الجَوهر النقي".
(٢) وراجع له "الجَوْهر النقي".

<<  <  ج: ص:  >  >>