للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

١٧١ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ قَالَ أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ حَدَّثَنَا عَبَّادٌ عَنِ ابْنِ عَوْنٍ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لَمَّا حَلَقَ رَأْسَهُ كَانَ أَبُو طَلْحَةَ أَوَّلَ مَنْ أَخَذَ مِنْ شَعَرِهِ. طرفه ١٧٠ - تحفة ١٤٦٢

قلت: إنَّ المصنَّف رحمه الله تعالى ذَكَرَ فيها مسألة الأنجاس والآسار دون مسألة المياه كما اختاره الحافظ رحمه الله، فهذه ترجمةٌ تتعلق بالأشياء التي قد تتفقُ أن تقعَ في الماءَ، ثم تُفسِدُ الماء أو لا تفسده. وإنما جاء ذِكْرُ الماء تبعًا لكونه محلَّ الوقوع. أما مسألة المياه أصالة فسيجيء ذكره. وذَكَرَ هذه الأشياء هناك تبعًا لكونها واقعة فيه. وهذا شبيهٌ بما في فِقْهنا من ذكر بعض الأنجاس في فصل المياه مع كون باب الأنجاس مستقلًا عندهم أيضًا، فلهذه الأشياء تعلق بالماءِ لكونها واقعةً فيه، وكونِ الماء محلًا لوقوعها. ولهذا قد ينجرُّ ذِكرها إلى المياه، وقد ينجرُّ المياه إليها.

ويبقى الفرق بالأصالة والتبعية، فالأصل في باب الأنجاس ذِكرها فقط، وذكر الماء لكونِهِ قد يتفق أن تقعَ فيه وإن أمكن وقوعُها في غيره أيضًا كالطعام واللبن والدهن وغيرها. وكذلك الأصل في باب الماء، ذِكرُ مسائله خاصَّة لا ذِكرُ الأنجاس، وإنَّما تذكر استطرادًا لكونها واقعةً فيه. والحاصل: أن المصنَّف رحمه الله تعالى ذكر في ترجمته مسألة الأشعار أولًا، سواء وقعت في الماء أو الطعام، لا مسألة المياه.

واعلم أن في الحديث بابًا لا يوجد في الفقه إلا قليلًا، وهو أنَّ الشارع إذ يحكم على شيء بالنجاسة لا يحبُّ المعاملةَ معه والملابسة به، ويأمرُ بالاجتناب والتحرُّز عنه، قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ} [التوبة: ٢٨] وقال: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ} [المائدة: ٩٠]، وقال: {فَاجْتَنِبُواْ الرّجْسَ مِنَ الاْوْثَانِ} [الحج: ٣٠] فإذا حكم على شيء بكونه نجسًا أمر بالتحرُّز عنه ونهى عن قُرْبانه، فعُلِم أنَّ الاجتناب والتحرز من لوازم النجس والرِّجْس. ورأيت عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما غسل اليدين بعد المصافحة بالمشرك، فكأنَّه فهم معنى النجس، وأنَّه لا ينبغي أن يقربَ منه، ولهذا غسل يديه مع كون يدي المشرك يابسًا، ومقتضاه أَلا يطلق النَّجِس على الثياب والمياه.

ثم اطلعت على كلام الحافظ محمد بن إبراهيم الوزير وفيه وفيه: إنَّ إطلاق النَّجَس على المؤمن لا يجوز، لا حقيقة ولا مجازًا وحينئذ ظهر شرح لطيف لقوله صلى الله عليه وسلّم «إنَّ المؤمنَ لا يَنْجَس» وشرح آخر لقوله: «إن الماء طَهُورٌ لا ينجِّسه شيء» فإن مياه الآبار لا يتنجس بحيث لا تبقى معها معاملة، ويكون التجنب عنها ضروريًا في نظر الشارع بل يُستعمل بعد نزح البئر، فهذا عُرف قرآني في النجس فلاحَظَه بخلاف الفقهاء، فإنهم يحكمون على شيء بالنجاسة ثم يكتبونَ مسائلَ تُبنى على بقاء المعاملة معها كما قالوا: إنَّ الكلب إذا مر في المسجد يابسًا لا يتنجَّسُ به المجسد.

وإنَّ المُصلي إن حَمَلَ جُرو كلب في كمِّه ولم يكن عليه نجاسةٌ تصحُّ صلاته. فباب

<<  <  ج: ص:  >  >>