للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقال بعض الحنفية: إنَّ كلَّ محرمٍ بعضُ جنسه حلالٌ، فيكون النبيذ حلالًا لكونه من جنس الخمر الذي هو حرامٌ، وله نظائر، كالحرير، فإنَّه حرام، ويجوزُ منه قدر أربعة أصابع للرجال، وكذلك الذهب، والفضة، ووجدت لقولهم دليلًا من قول بعض السلف عن بعض أهل البيت، أنهم ذكروا مثل ما ذكره بعض الحنفية، وقال: إن نهر طالوت كان كثيره حرامًا، وقليله حلالًا، فعلم أنَّ لقول ذلك البعض من الحنفية أصلًا.

وأما أدلة الحنفية، فمنها ما أخرجه أبو داود: في باب الأوعية: حدثنا وَهْب بن بقية، عن خالد، عن عوف، عن أبي القَمُوص زيد بن علي، قال: حدثني رجل كان من الوفد الذين وَفَدوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم من عبد القيس، يحسبُ عوف أنَّ اسمه قيس بن النعمان، فقال: «لا تشربوا في نقير، ولا مُزَفّت، ولا دباء ولا حَنْتَم، واشربوا في الجلد الموكأ، فإن اشتد فاكسروه بالماء، فإن أعياكم، فأهريقوه»، وسنده جيد.

وقيل في الجواب: إن الاشتداد الغلظة، لا الإِسكار، وهذا مهملٌ، لأن الاشتدادَ المستعمل في المسكرات، والأنبذة بمعنى المُسكر، كما في مسلم: حدثنا إسحاق بن إبراهيم، ومحمد بن أحمد بن أبي خلف، واللفظ لابن أبي خلف، قالا: أخبرنا زكريا بن عدي، قال: أخبرنا عبيد الله، وهو ابن عمر، عن زيد بن أبي أُنَيسة، عن سعيد بن أَبي بُردة: حدثنا أبو بُردة عن أبيه، قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلّم ومعاذًا إلى اليمن، فقال: «ادعوا الناس، وبشِّرا ولا تنفِّرا، ويسِّرا ولا تعسرا»، قال: فقلت: «يا رسول الله أفتنا في شرابين، كنا نصنعهما باليمن: البِتْع، وهو من العسل، ينبذ حتى يشتد، والمِزْر، وهو من الذرة، والشعير، ينبذ حتى يشتد، قال: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلّم قد أعطي جوامع الكلم بخواتمه، فقال: «أنهى عن كل مسكر، أسكر عن الصلاة». وقيل: إن المراد بالاشتداد الحموضة.

وأقول: أيُّ فائدة في الإِهراق في هذه الصورة؟ فإنَّ دفعَ الحموضة ممكن بالماء أيضًا، والماء المختلط بالنبيذ يكون أصلح من الماء القَرَاح، فأيُّ نفع في الإِهراق؟.

ولأبي حنيفة آثار عن عمر في «موطأ مالك»: مالك عن داود بن الحُصين، عن واقد بن عمر ابن سعد بن معاذ: أنه أخبره عن محمود بن لبيد الأنصاري: أنَّ عمر بن الخطاب حين قَدِم الشام، فشكى إليه أهلُ الشام وباءَ الأرض، وثقلها، وقالوا: لا يُصلحنا إلا هذا الشراب، فقال عمر: «اشربوا العسل»، فقالوا: لا يُصلحنا العسل، فقال رجل من أهل الأرض: هل لك أن تجعلَ لنا من هذا الشراب شيئًا لا يُسكر؟ قال: «نعم»، فطبخوا حتى ذهب منه الثلثان، وبقي الثلث، فأتوا به عمر، فأدخل عمر فيه إصبعه، ثم رفع يده، فتبعها يتمطط، فقال: «هذا الطِّلاء، هذا مثل طلاء الإِبل»، فأمرهم

<<  <  ج: ص:  >  >>